تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
تصانيف
قد علمت ما كان من إحراق الفسطاط بأمر شاور، فيجدر بنا أن نذكر ما كانت عليه من الحضارة والثروة، وقد تقدم سبب بنائها على يد عمرو بن العاص، وهي أول مدينة إسلامية بناها المسلمون بمصر، وأخذت تتسع وتزداد عمارة كلما رسخت قدم المسلمين في البلاد وتوطد سلطانهم حتى فاقت البصرة والكوفة في كثير من الوجوه، وبلغ طولها على ضفة النيل ثلاثة أميال، وذكر مؤرخو العرب من مقدار عمارتها أنه كان فيها 36000 مسجد، و8000 شارع مسلوك، و1170 حماما، وقد يستبعد ذلك، ولكن إيراده يدل في كل حال على العظمة والعمران.
ومما نظمه الشعراء في مدحها قول الشريف العقيلي:
أحن إلى الفسطاط شوقا وإنني
لأدعو لها أن لا يحل بها القطر
وهل في الحيا من حاجة لجنابها
وفي كل قطر من جوانبها نهر
تبدت عروسا والمقطم تاجها
ومن نيلها عقد كما انتظم الدر
وبلغ من تزاحم الناس في الفسطاط حتى جعلوا المنازل طبقات عديدة بلغ بعضها خمس طبقات إلى سبع، وربما سكن في البيت الواحد 200 نفس، وبلغت نفقة البناء على بعضها 700000 دينار وهي دار الحرم لخمارويه.
واشتهر من تلك الأبنية دار ضرب المثل بعظمها، وغنى أهلها تسمى: «دار عبد العزيز» كانت مطلة على النيل بلغ من سعتها وكثرة ساكنيها أنهم كانوا يصبون فيها أربعمائة راوية ماء كل يوم، ونقل بعضهم أن الأسطال التي كانت بالطاقات المطلة على النيل بلغ عددها 16000 سطل مؤيد ببكر وأطناب لها ترخى وتملأ، وذكر رجل دخلها في أواخر القرن الثالث للهجرة في زمن خمارويه بن أحمد بن طولون قال: «طلبت بها صانعا يخدمني فلم أجد فيها صانعا متفرغا لخدمتي، وقيل لي: إن كل صانع معه اثنان يخدمهم وثلاثة، فسألت كم فيها من صانع؟ فأخبرت أن بها 70 (كذا) صانعا قل من معه دون ثلاثة سوى من قضى حاجته وخرج.»
صفحة غير معروفة