وفي سنة 90ب.م بنى البناءون في بريطانيا بأمر القائد إغريقولا استحكامات في خليجي فورث وكليد.
وفي سنة 120ب.م في حكم أوديان كثر بناء الهياكل في رومية، ثم إن هذا الملك الهمام طاف في سائر بلاده الشاسعة الأطراف، وبعد عوده أنفذ فرقة من الإخوة البنائين إلى بريطانيا لتبني سورا كبيرا ممتدا من «تين» إلى خليج «سلوي»، قاطعا جميع بريطانيا من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي؛ وقاية للمستعمرات العسكرية من هجمات الاسكوتلانديين المستمرة. وأنفذ فرقة إلى إسبانيا لإتمام الهياكل التي كان شرع في بنائها أوغسطوس، وأقام هياكل كثيرة في أفريقيا ولا سيما في جزائر الغرب وتونس، ولم تحرم آسيا أيضا من مثل تلك البنايات. إلا أن اليونان أحرزت القسم الأكبر من الاعتناء في أمر البناء، فأقيمت فيها هياكل لجوبتير وبانهلينيان وبانثيون، والأول من هذه الهياكل قائم على 122 عمودا.
ولما سقطت الجمهورية الرومانية سنة 130ب.م سقطت معها جميع الجماعات العلمية والصناعية، التي كان أقامها نوما بومبيليوس وخسرت كل امتيازاتها، إلا أن أخوية البنائين نظرا لحب أولي الأمر للمجد والفخر وداعيات الترف أبقوا لها امتيازاتها كما كانت تقريبا؛ كل ذلك لينشطوا صناعة البناء، فيبني لهم البناءون القصور والهياكل والتماثيل الهائلة لتحفظ ذكرهم إلى الأجيال الآتية بعدهم.
وفي سنة 140ب.م أنفذ أنطونين جماعة من البنائين إلى بريطانيا لتبني سورا منيعا؛ وقاية من الاسكوتلانديين الذين لم ينفكوا عن مهاجمة مستعمرات الرومان. ونظرا لعظم ذلك المشروع احتاج البناءون إلى استخدام الوطنيين في بنائه، فأدخلوا في أخويتهم عددا من رجالهم.
ومن آثار الإخوة البنائين التي أقيمت بأمر أنطونين قلعة بعلبك الشهيرة، فإنها في الأصل هيكلان أقامهما هذا الملك لعبادة الشمس، وكيفية ذلك أن جماعة من الإخوة البنائين - وهم من بقايا جماعات رومية - هاجروا إلى تلك الأصقاع في أيام اضطهاد نيرون ودميسيان وتراجان للديانة المسيحية، وكانوا في جملة من تابعها، فغادروا رومية طلبا للنجاة، ثم لما جاء على الأحكام من رفع الاضطهاد عنهم عادوا إلى بلادهم. (3) انتصار الماسونية للديانة المسيحية وما قاسته في سبيل ذلك
وفي سنة 166 اعتنق الديانة المسيحية كثير من الإخوة البنائين في رومية وجاهروا بالانتصار لها، فشق ذلك على الإمبراطور مارك أورال، فاقتفى آثار أسلافه فأعاد الاضطهاد وشدد النكير، فهاجر كثيرون من غاليا وغيرها والتجئوا إلى بريطانيا حيث لاقاهم هناك إخوانهم وأكرموا مثواهم.
أما البناءون المتنصرون في رومية فكانوا يأوون الكهوف والمقابر فرارا مما كان يتهددهم من المخاوف والاضطهادات، فنجوا من الإعدام الذي كان محكوما عليهم به، ولم تمض عليهم عشر سنوات من الاضطهاد تحت حكم مارك أورال حتى جعلوا المدافن التي كانوا يأوون إليها هياكل بديعة الصنعة مزينة بأنواع النقوش، وأقاموا مذابحها على قبور الذين استشهدوا منهم في سبيل الدين. ثم زاد عدد الشهداء حتى إنهم كانوا يبنون فوق مدافنهم الكنائس العظيمة، وبالغ البناءون في الانتصار للديانة المسيحية حتى إنهم نسوا ذواتهم ومالهم في سبيلها، فكانوا يعرضون بأرواحهم للقتل والاضطهاد الذي كان يتزايد يوما فيوما، كل ذلك انتصارا لما كانوا يعتقدون فيه الصواب والحق.
ولا نظنهم كانوا يفعلون ذلك إلا رغبة في نصرة الحق ونشر المبادئ الصحيحة؛ تخلصا من عبادة الأوثان المزعجة التي كانت سائدة في ذلك العهد. وسترى أنهم تابعوا سيرهم في هذا السبيل، بحيث إنه لم يعد لدينا ما يمنع قولنا إنهم كانوا أقوى وسيلة لنشر الديانة المسيحية في تلك الأعصر المظلمة.
وفي عهد الإمبراطور طيت سنة 180ب.م استؤنف الاضطهاد، وبالغ هذا الإمبراطور في ذلك حتى أباح دماء كل من عرف عنه الانتماء أو الانتصار لتلك الديانة، فأقام في البنائين القتل والأسر، ولم ينج منهم إلا الذين أتيح لهم الفرار إلى المشرق، فانحطت صناعة البناء في رومية.
وفي عهد الإمبراطور إسكندر سافار سنة 193 عادت تلك الصناعة إلى شيء من الظهور؛ لأن ذلك الإمبراطور كان منشطا لها، وكان يدافع عن المسيحيين سرا، فرمم عدة هياكل قديمة كانت على وشك الدمار، وكان في نيته إقامة معبد للمسيح، لكنه أوقف عن عزمه بدعوى الشعب أنه إذا فعل ذلك إنما يكون ساعيا إلى خراب سائر الهياكل.
صفحة غير معروفة