كانت لها علامات سرية مخصوصة، منها الاسم الجديد الذي يعطونه للمعتمد حديثا منقوشا مع علامة أخرى رمزية على حجر أبيض، كما كان يفعل الأسينيون على ما تقدم. وأشهر علامة استعملها المسيحيون إشارة الصليب، وقد أكثروا من استعمالها حتى أدخلوها في كل أحوالهم، فهم يرسمونها عند التحية، وعند النوم، وعند النهوض من النوم، وعند الدخول إلى الكنيسة وفي الخروج منها، وفي غير ذلك، ومن هذا القبيل قول بعضهم «المسيح قام»، وكانت عبارة التحية بين المسيحيين في الأزمنة السالفة. (4)
أنه كان بين المسيحيين روابط شديدة تربطهم بعضهم ببعض، وقوانين تقضي بوجوب مساعدة أحدهم الآخر بكل ممكن. وقد كان ذلك مشهورا بينهم إلى حد يفوق التصديق، فإذا سافر أحدهم إلى حيث لم يكن يعرف أحدا، لا يلبث أن يصل حتى يرى إخوانا ينتظرون أمره في كل ما يشاء، ولمثل ذلك فتحت الأديرة في البلدان، وطلب من المسيحي أن يتوجه إلى الدير، وفيه من الأقوات والنزل ما يضمن راحته، فضلا عما يلاقي من الاستئناس بمن هو مرتبط بهم بعهود مقدسة. (5)
أن غايتها رفع منار الفضيلة، وترقية شأن الهيئة الاجتماعية. وبالحق إنها قد بلغت مما أرادت شأوا عظيما.
فالديانة المسيحية كانت في بادئ أمرها متخذة سبل الجمعيات السرية في نشر تعاليمها.
النتيجة
فقد تبين أن الطريقة المثلى لنشر العلم والفضيلة إنما هي الجمعيات السرية المنظمة على مثل ما تقدم، فضلا عن أن وجود مثل هذه الجمعيات في الأعصر الخالية في سائر العالم المتمدن دليل على أن ذلك أمر طبيعي في جسم العمران. وقد تقدم عليه من الأمثلة ما يكفي، فلا تعاب الماسونية في اتباعها مثل تلك الخطة.
وإذا تأملت بما مر ذكره من الجمعيات وكيفية نشوئها، وتشابه تعاليمها ومبادئها، وأساليب التعليم فيها، مع علمك بإغفالنا كثيرا من أمثالها؛ يترجح لديك القول بوحدة أصلها أو بتفرعها بعضها من بعض.
فالماسونية إذا لم تكن أحد تلك الفروع، فهي لا شك في أول نشأتها منسوجة على منوالها؛ لأن الذين سعوا إلى تأسيسها واهتموا في نشر تعاليمها لا يخلو أن يكونوا على بينة من تلك التعاليم أو خلوا منها، ولا يتأتى لمن كانوا على الفرض الثاني أن يقدموا على مثل هذا العمل. فالمؤسسون إذن من فئة العلماء، وهم لا يقدمون على ما تقدم إلا وهم على شيء من أمر الجمعيات السرية وقوانينها وأساليب تعليمها، لكي يتهيأ لهم تنظيم مثل هذه الجمعية، فلا يخلو أن يكون هؤلاء أعضاء جمعية أو جمعيات سرية وجدت في العصر الذي أسست فيه تلك الجمعية أو قبله. فالماسونية إذن قد نسجت على منوال الجمعيات السرية القديمة، هذا إذا لم نقل إنها فرع من فروعها، أو استمرار إحداها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
أقسام تاريخ الماسونية العام
يقسم تاريخ الماسونية العامة إلى قسمين: قديم وحديث، أو ماسنوية عملية «أو حقيقية» وماسونية رمزية.
صفحة غير معروفة