وفي حدها الغربي مجار كثيرة من المياه؛ ولذلك كانت البقاع الغربية آهلة عامرة، ولكن كلما توغل الإنسان داخل البلاد انقطعت الأنهار وبدت البيداء. وفي أرض هذه البلاد كثير من موارد الثروة والرزق، وإن كانت لا تقارب أرض مصر أو كلديا في الجودة والخصوبة؛ ففي جبالها النحاس والحديد والرصاص وقليل من الذهب والفضة وفيها الأحجار النفيسة، وخصوصا اللازورد الذي يتنافس الناس فيه، وقليل من جهاتها يعرى عن النباتات، أما أكثرها فتكسوه غابات كثيفة من أشجار الصنوبر والبلوط والجوز ومنحدرات جبل زغروس (جبل طاغ)، هي في الحقيقة رياض طبيعية تنبت فيها الكمثرى والتفاح والسفرجل وحب الملوك، المعروف عند العامة بالكريز والزيتون، أما الجهات الداخلية في هذه الهضبة فليس فيها إلا قليل من الأشجار بجانب الأنهار والبطائح، ومن محصولاتها القمح والشعير والجودار (ضرب من القمح) وخضراوات جيدة في الجهات التي لا ينقصها الماء. وكان فيها الأسد والنمر والسبندى
Léopard
والدب وكثير من الحيوانات الأهلية أو القابلة للاستخدام، والحمار الوحشي والجاموس والهجين والدهامج (وهو الجمل ذو السنامين) وجملة أنواع من الخيول منها نوع مشهور بحسن قامته وخفة حركته، وهو المشهور بالنسوي (نسبة إلى مدينة نسا) ولم يتيسر للفاتحين الأول من الآشوريين اجتياز حواجز زغروس (جبل طاغ) فإنها صدت أطماعهم عن هذه البلاد، ولكن شلمناصر الثاني وابنه شمشيرمان، صعدا على هذه الهضبة في أواخر القرن التاسع وكانا أول من جاء من أمتهما واختلط بالماديين. (2) مبادئ المملكة المادية والكلام على كياكسار
كان الماديون يسمون أنفسهم الآريين ومفهوم هذا الاسم أعم من مفهوم الماديين، وقد بقي في ذاكرتهم شيء غير واضح عن تاريخهم القديم؛ وهو أنهم انضموا في بعض العصور إلى قبائل أخرى، وكانوا يهيمون على شطوط نهر جيحون ونهر سيحون
1
ونزل جماعة من القبائل التي كانت تقيم معهم بجهات الجنوب في حوض نهر السند
Indus
والغدران التي تمده. وأما الماديون فإنهم صعدوا مع الفرس على الهضبة واجتهدوا في أن يستحوذوا على قطعة من أرضها تقوم بحاجاتهم، فأوغل الفرس في سيرهم نحو الجنوب الغربي، ولم يقفوا إلا عند التخوم الشرقية لأرض عيلام فاستقروا في أرض جبلية عرفت باسمهم.
وأما الماديون فأخذوا يصعدون على مهلهم نحو الغرب سائرين بحذاء الجبال الحافة بالبحر القزويني، ولما كانوا منشقين إلى ممالك صغيرة كثيرة العدد لا تزال تتصارع وتتعارك في كل حين؛ فلم يمكنهم في أول الأمر دفع الجنود الآشورية، والتزموا بالاستمرار على دفع الجزية إلى ملوك نينوي من عهد تغلا ثفلاصر الثالث إلى أيام آشور أخي الدين؛ أي مدة تنوف على الخمسين سنة.
على أنه قد جاء في الروايات التي تناقلها الأهلون خلفا عن سلف، أن رجلا منهم اسمه ديجوسيس
صفحة غير معروفة