وأخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال: قال لي الرشيد: يا أبا بكر، كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون، قال: والله ما زدتني إلا غمًّا، قال: يا أمير المؤمنين مرض النبي ﷺ ثمانية أيام، فدخل عليه بلال فقال: يا رسول الله! من يصلي بالناس؟ قال: مر أبا بكر يصلي بالناس، فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل، فسكت رسول الله ﷺ لسكوت الله وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله ﷺ فأعجبه، فقال: بارك الله فيك١.
وقد استنبط جماعة من العلماء خلافة الصديق من آيات القرآن، فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه﴾ [المائدة: ٥٤] قال: هو والله أبو بكر وأصحابه، لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام.
وأخرج يونس بن بكير عن قتادة قال: لما توفي النبي ﷺ ارتدت العرب، فذكر قتال أبي بكر لهم، إلى أن قال: فكنا نتحدث أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه﴾ [المائدة: ٥٤] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جويبر في قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيد﴾ [الفتح: ١٦] قال: هم بنو حنيفة، قال ابن أبي حاتم وابن قتيبة: هذه الآية حجة على خلافة الصديق؛ لأنه الذي دعا إلى قتالهم.
وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري٢: سمعت أبا العباس بن شريح يقول: خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية، قال: لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلا دعاء أبي بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة ومن منع الزكاة، قال: فدل ذلك على وجوب خلافة أبي بكر وافتراض طاعته، إذا أخبر الله أن المتولي عن ذلك يعذب عذابًا أليمًا، قال ابن كثير: ومن فسر القوم بأنهم فارس والروم فالصديق هو الذي جهز الجيوش إليهم، وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان، وهما فرعا الصديق، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ﴾ [النور: ٥٥] الآية، قال ابن كثير: هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الرحمن بن عبد الحميد المهدي قال: إن ولاية أبي بكر وعمر في كتاب الله، يقول الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ﴾ [النور: ٥٥] .
_________
١ أخرجه ابن عدي في الكامل "٢٦/٤".
٢ هو علي بن إسماعيل الأشعري: المنتسب إلى أبي موسى الأشعري ﵄ وقد ذكر صاحب الملل والنحل أن أبا موسى الأشعري كان يقرر عين ما يقرر الأشعري أبو الحسن في مذهبه، وتوفي أبو الحسن الأشعري سنة ٣٢٤هـ، ومن أشهر كتبه: "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" و"الإبانة عن أصول الديانة" وهو مؤسس فرقة الأشعرية. الملل والنحل "٩٤".
1 / 54