أوسط العرب نسبًا، قلت: يا عم وما يقول النبي؟ قال: يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم، ولا يظلم، ولا يظالم، فلما بعث رسول الله ﷺ آمنت به وصدقته.
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله ﷺ قال: "ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته، وما تردد فيه" ١ عتم: أي لبثَ.
قال البيهقي٢: وهذا لأنه كان يرى دلائل نبوة رسول الله ﷺ ويسمع آثاره قبل دعوته، فحين دعاه كان قد سبقه له فيه تفكر ونظر، فأسلم في الحال؛ ثم أخرج عن أبي ميسرة أن رسول الله ﷺ كان إذا برز سمع من يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت وَلَّى هاربًا، فأسر ذلك إلى أبي بكر، وكان صديقًا له في الجاهلية.
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: "ما كلمت في الإسلام أحدًا إلا أَبَا عليّ، وراجعني الكلام، إلا ابن أبي قحافة، فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه" ٣.
وأخرج البخاري عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: "هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إني قلت: أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت" ٤.
فصل: في صحبته ومشاهده
قال العلماء: صحب أبو بكر النبي ﵊ من حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه سفرًا ولا حضرًا، إلا فيما أذن له ﵊ في الخروج فيه من حج وغزو، وشهد معه المشاهد كلها، وهاجر معه، وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله ﷺ وهو رفيقه في الغار، قال تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: ٤٠] وقام بنصر رسول الله ﷺ في غير موضع، وله الآثار الجميلة في المشاهد، وثبت يوم أحد ويوم حنين، وقد فرّ الناس، كما سيأتي في فصل شجاعته.
أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدر، فقالوا: أما ترون الصديق مع رسول الله ﷺ في العريش؟
وأخرج أبو يعلى، والحاكم، وأحمد، عن علي قال: قال لي رسول الله ﷺ يوم بدر ولأبي بكر: "مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل" ٥.
_________
١ أورده ابن كثير في البداية والنهاية "٢٧/٣".
٢ أخرجه البيهقي في دلائل النبوة "١٦٤/٢".
٣ أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان "٣٢٥/٢".
٤ أخرجه البخاري "٤٦٤٠/٨".
٥ أخرجه أبو يعلى في مسنده "٣٤٠/١"، وأحمد في المسند "١١٧/١" بنحوه، والحاكم في المستدرك "٦٨/٣". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
1 / 32