لعالم الاجتماع روبرت كاستل. فنجد اتباعه لأعمال فوكو جليا من الوهلة الأولى: «فهي تمثل نقطة فاصلة، لا تستطيع أي محاولة من هذا النوع إلا أن تندرج تحتها.» ولكن لننتبه! فروبرت كاستل يحرص على أن يرفض «لهجة الإدانة الأخلاقية (و) موقف ملقن الدروس.» ولكن ماذا نقرأ؟ «لعلنا قلنا بما يكفي إن المعرفة الطبية النفسية لم تكن جدية وإن طرق التحليل النفسي كانت رتيبة. على أي حال، فإن القائمين عليها لم يكونوا سذجا يتسلون أو مدعين وقحين، بل كانوا فنيين على مستوى عال تمتد معرفتهم ويزداد نفوذهم.» وبعيدا: «إن عملية تآكل القانون عن طريق المعرفة (أو عن شبه معرفة، ولكنها ليست قضيتنا الأساسية هنا) والتخريب التدريجي للشرعية عن طريق أنشطة تعتمد الخبرة؛ يمثلان أحد أكبر الانحرافات التي - منذ صعود المجتمع البرجوازي - تتولى عملية اتخاذ القرار الذي يشكل المصير الاجتماعي للبشر، بداية من العقود وحتى الوضع تحت الوصاية. ولقد كان الطب العقلي عاملا أساسيا في هذا التحول.» ويتلخص الطب النفسي للقرن التاسع عشر في «الرغبة القهرية للأطباء النفسيين في تعريف الجميع بأنهم ليسوا أقل علما من الأطباء الآخرين، وأن السيطرة على الجنون أصبحت أخيرا ممكنة بفضلهم [...] وبدأت سلسلة طويلة من الأحداث المرعبة ترتكب بدم بارد باسم العلم والعقل.»
40
ولكن - وليس فقط في دراستنا - يبدو أن نقد «أسطورة» فوكو قد بدأ منذ قليل. كانت هذه هي الحال مع المقدمة الجديدة للطبعة الثانية عام 2007 من «العقل البشري التطبيقي» (جوسيه وسواين)؛ حيث صيغت بوضوح القطيعة المعرفية بين فوكو وتابعيه: «ما أنتجه فوكو - بحماسته المعروفة عنه - ليس إلا «أسطورة»، يشير أثناء روايتها إلى لعنة منذ الميلاد. فالإقصاء هو الدافع إليها وإقصاء الجنون هو نموذجها. لقد أسرت الأسطورة التاريخ «ابتداء من حاضر اعتقد في ذاته القدرة على الخروج عن المألوف» [...] باختصار، اتضح أن التشبه بالجنون المتخيل هو العامل المؤدي إلى إنكار الجنون الحقيقي. اختفى الألم النفسي وراء نشوة جنون الكتابة. ومن مبدأ أن المجانين مثلنا، ومن ثم يجب معاملتهم بناء على هذا، واستنادا إلى فكرة أن الجنون ليس له وجود؛ لا توجد أي خطوة سهلة يمكن تجاوزها بما أن المنطق التكافئي يعمل بطريقة عاطفية وأحادية الجانب.» ويحدق بنا جهل آخر: «الجهل بالعصر الحديدي القديم لعدم المعرفة الإرادية» الذي ينبع من «تأصل المحددات الضرورية التي يفرضها المنطق التكافئي».
41 •••
وبلهجة أكثر اعتدالا، كان مؤرخو الطب النفسي الأنجلوساكسونيون أيضا من مناهضي الطب النفسي (أكثر من مؤرخي الجنون). لن نذكر هنا إلا «متاحف الجنون» لأندرو تي سكول،
42
الذي يسترشد التاريخ الذي كتبه عن الطب النفسي البريطاني في القرن التاسع عشر بأكمله بفكرة مقدسة؛ وهي «الاستحواذ الطبي على الجنون»؛ أي المؤامرة الكبرى. صدق الأطباء على أطروحة الجنون المرضي، الذي تقع مسئولية علاجه على عاتقهم بنوع من الاحتكار الأيديولوجي. مرت الأعوام، وبدأت الأيديولوجية الفوضوية تمحي، مع وجود شبكة التأويلات المناهضة للطب النفسي. وبدوره، وضع جان جولدشتاين في كتابه «عالج وصنف»
43
أساس شكل تسييس الطب النفسي. ويدعو للعجب التحول الذي جعل من العلاج المعنوي أداة فرنسية، متناسيا أنه في الأصل كان فكرة إنجليزية، وأنه لا يمت بصلة للنظام الديني أو لنظام العلاج. ونقرأ - بنحو ذي مغزى - في مطلع خاتمته هذه الجملة التي اقتبسها عن بروست: «لدى الكاهن كما لدى طبيب الأمراض العقلية؛ يوجد لديهما شيء يشبه قاضي التحقيق.»
وأيضا، ثار الأطباء النفسيون في ذلك الوقت، ولكن لم تسمع اعتراضاتهم في وسط صخب حركة مناهضة الطب النفسي. في يونيو 1971، أثناء ندوة بروزيز المخصصة لحركة مناهضة الطب النفسي، اتهم هنري ستولمان - الطبيب والمحلل النفسي - متهميه: «إن الباثولوجيا أشمل من دراسة الشذوذ ولا تقتصر عليه فقط»،
صفحة غير معروفة