تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

كلود كيتيل ت. 1450 هجري
169

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

تصانيف

ومن الآفاق الجديدة التي فتحت أمام الطب النفسي الجنس والمشاعر الجنسية. تتمثل هذه المشاعر في الاستمناء أو الزهري الوراثي أو الشلل العام. إلا أن الأمر ازداد اتساعا، بعيدا حتى عن مجال اكتشافات فرويد. عام 1870، نشر ويستفال - الذي توفي نتيجة تطبيق سياسة المنع لليفينشتاين - في المجلة الرسمية «أرشيف الطب النفسي» مقالا هاما عن الشذوذ الجنسي الذكوري (الشعور الجنسي المعكوس). عام 1886، نال كرافت إبينج شهرة واسعة بسبب نشره مقاله «الأمراض النفسية الجنسية»، يضع فيه تقسيما للانحرافات الجنسية، والتي قسمها إلى فئتين كبيرتين (تنسب عادة إلى فرويد): انحرافات بحسب الموضوع وانحرافات بحسب الهدف. وكان هو صاحب مصطلحات «السادية» و«المازوخية» و«السادية المازوخية».

في عام 1886، نشر بول سيريو - تلميذ مانيان - رسالة بعنوان «أبحاث إكلينيكية عن انحرافات الغرائز الجنسية». كان هو من قدم أعمال كرابلين في فرنسا، ولكنه اهتم أيضا بدراسة خطابات المرضى وكيف تعطي صورة عن حياة واحتجاز مرضى الاعتلال العقلي في عهد النظام القديم. كما اخترع كيانا جديدا وجريئا يتماشى مع الوضع ، من شأنه فتح آفاق لانهائية أمام الطب النفسي، وهي فئة «المرضى غير الطبيعيين بالتكوين»: المؤولين والمتطلبين ومؤلفي القصص؛ أي كل «المنحرفين أعداء المجتمع»، وكل المختلين وغير المتزنين، وعددهم كثير في واقع الأمر.

ولم يخش أطباء آخرون من توسيع نطاق الانحطاط العقلي لدرجة أنهم ضموا إليه الشعراء. «أردت فقط أن أبين أنه لدى بعض الأفراد، لا يكون الشعر إلا وسيلة للتعبير عن التفكك العقلي؛ أي مظهرا من مظاهر تدني العقل.»

41

فالأمر لا يقتصر فقط على «مرضى الانحطاط السامي» على حد وصف مانيان؛ «فيمكن لبعض المرضى بالانحطاط العقلي أن يشعروا بدفقات مفاجئة، ويمكنهم امتطاء أجنحة الشعر إلى ارتفاعات لا يصلها أحد، ويصقلوا أبياتا رائعة الرقة تغلفها كآبة مؤلمة وساحرة مثل فيرلين أو جي مورياس، بينما يظل المرضى الآخرون عاجزين عن تجاوز التعثر في النطق وتفكك الأفكار التي لا تقوم إلا على السجع الصوتي. الأوائل هم من اتفق على تسميتهم بمرضى الانحطاط السامي، أما الآخرون فليسوا إلا بلها ضعيفي العقل. ولكن لدى البعض والبعض الآخر، نجد - على الأقل لعدة ساعات - آثار الخلل العقلي التي لا تمحى.»

ومن المظاهر الأخرى المميزة للانحطاط العقلي (خاصة لدى البله) الحب المفرط للحيوانات المنزلية. «تدور حياتهم كلها حول هذا الحيوان الذي يرعونه ويهدهدونه كطفل، ويعملون من أجله، وعلى استعداد لتقديم أكبر التضحيات في سبيله.» وفقا لمؤلفنا، فإن أسوأ شيء هو تعلق الشعراء المفرط بالقطط. فها هو أحدهم وقد نقل ولعه هذا إلى زوجته: «كان لفظ قطة وكل ما يتعلق بالقطط يتردد بكثافة في حواراتهما، فكانا يدلل أحدهما الآخر بقطي، وقطتي ... كانت القطة تسيطر على حياتهما وكأنها ابنتهما. طبيب الأمراض العقلية سيقول إنها حالة هذيان مشترك» (د. لوران).

إلى جانب إدراج الشعر وحب القطط إلى مجال الطب النفسي، ولكيلا يبدو الأمر كمزحة، نتطرق إلى «تفاعل كرب القتال» أثناء الحرب العالمية الأولى. وتوجد قائمة مراجع طبية هائلة تعنى بتحليل «ذهان الحرب»

42

والخوف - غير الطبيعي - داخل الجيوش. فالخوف - حتى المعتدل - يعد خوفا مرضيا في جبهة القتال: «فالرجل يكون غير متأقلم على وظيفته، ومن ثم يتخلى عن واجبه الحربي.»

43

صفحة غير معروفة