19
كان فرويد قد التحق أيضا بالخدمة التابعة لشاركو في الفترة من أكتوبر 1885 وحتى فبراير 1886. ولقد انبهر بالأستاذ و«سحره» - على حد قوله. وبعد شهرين من هذا التدريب، افتتح عيادته الخاصة بفيينا. وكانت أعماله الأولى تتناول الهستيريا. وفي الخامس عشر من أكتوبر 1886، عقد مؤتمرا حول الهستيريا الذكورية. ولقد فتح اكتشاف الهستيريا أمامه أبواب علم النفس الباثولوجي. «إن نظرية التحليل النفسي برمتها هي وليدة الهستيريا» (تريا). في فيينا، توطدت العلاقة بين فرويد وعالم الفسيولوجيا جوزيف بروير (1842-1925). ونشرا معا كتاب «دراسات حول الهستيريا» عام 1895، الذي يبدأ بقصة آنا و... (برتا بابينهايم) التي تولى بروير علاج الأعراض الهستيرية لديها دون اللجوء للإيحاء، مستخدما حالات من «التنويم التلقائي»، والتي تسميها المريضة ذاتها ب «العلاج بالكلام» أو ما يشبه «تسليك المدخنة». وسرعان ما تلاشت الأعراض الهيستيرية شيئا فشيئا كلما سلط الضوء على الظروف التي صاحبت ظهورها لأول مرة. من هنا اخترعت طريقة «التفريغ» (نتذكر فكرة التنفيس لدى أرسطو). ويبقى استنتاج الأطر النظرية، مثل معرفة العامل المحدد للحالة العقلية والعصبية للمريض لحظة وقوع الصدمة النفسية والطريقة التي استقبلت بها الصدمة. وبينما يتمسك بروير بفكرة لحظة وقوع الصدمة، يهتم فرويد بطريقة تلقي الصدمة. فما يهم لدى فرويد هو القيمة التي يمثلها الحدث بالنسبة إلى المريض.
في سبيل معرفة معلومات من المريض، لا يعرفها الطبيب ولا المريض نفسه،
20
تخلى فرويد عن طريقة الإيحاء تحت التنويم، التي هي - على حد قوله عام 1904 - «طريقة غير أكيدة، ولها طابع غامض»، وأيضا لكونها تتم مباشرة دون «مقاومة» تتعارض مع إعادة اندماج الذكرى في مجال الإدراك، وتعيق استحضارها. ولذلك، كان يفضل طريقة التفريغ أو ما يسميها ب «طريقة التداعي الحر» عن التنويم المغناطيسي. (كان فرويد يعتقد بالتالي «أن تاريخ التحليل النفسي يبدأ في اليوم الذي ظهرت فيه طريقة مبتكرة تتخلى عن التنويم المغناطيسي».)
21
ويستخدم فرويد مصطلح «الهستيريا الدفاعية» (التحويل) عندما يتسبب الصراع النفسي للمريض «الذي يدافع عن نفسه» (عن طريق استبعاد الصورة غير المقبولة من الوعي) في إنتاج ظواهر بدنية ثابتة (خدر أو شلل أو تقلصات). ولقد أكد بروير وفرويد عام 1895 في كتابهما على الطبيعة الجنسية لهذا «الدفاع» أو هذا «الكبح»: «تلعب المشاعر الجنسية دورا حاسما - وفقا لطب الهستيريا الباثولوجي - فهي مصدر الصدمات النفسية والعامل المحرك لرفض وكبح بعض الصور خارج نطاق الوعي.» واستكمالا للفكرة ذاتها، ميز فرويد المشاعر الجنسية الطفولية، باحثا عن الصدمة النفسية الأصلية. «كانت نظرية التحليل النفسي بأكملها في طور التكوين خلال هذه الفترة الخصبة، وكانت الهستيريا هي التربة التي نمت فيها» (تريا). وسرعان ما تخلى فرويد عن فكرة حقيقة الصدمة الجنسية، وإن ظل مقتنعا «بحقيقتها النفسية». «كون الوهم - الذي يعطيه المريض هيئة الواقع - يتسبب في أعراض حقيقية؛ يثبت مدى قوى وثقل وقدرة «الحقيقة النفسية»» (تريا).
يجب ألا نستنتج من هذا أن فرويد - متقدما بعمق فيما سيصبح التحليل النفسي - لم يكن يهتم بالعصاب ككل. وانطلاقا من مفهوم «الدفاع» في الذهان العصابي وصولا إلى دراسة لأعراض المرض (التي كانت على العكس نقطة انطلاق الأطباء الإكلينيكيين لدراسة الهستيريا)، يميز فرويد بين ثلاث مجموعات: الهستيريا، والخوف المرضي والوساوس، والذهان. وفي الذهان، «تنتزع الأنا من الصورة غير المتوافقة، وإن ظلت الأخيرة مرتبطة بشدة بجزء من الواقع، ولا سيما أن الأنا - أثناء القيام بهذا الأمر - تنفصل أيضا كليا أو جزئيا عن الواقع.»
22
وفي عام 1895، شرع فرويد في دراسة إكلينيكية تهدف إلى فصل مجموعة أمراض العصاب التي يسميها «عصاب الفزع»
صفحة غير معروفة