3
على تدمير هذا التمييز الخاطئ، عن طريق إثارة الشكوك طويلا لدى أطباء النفس والأعصاب. وهكذا، وفي عام 1888 بسانت آن، لم يرد أن يناظر إلا أربع حالات مؤكدة من الزهري وخمسا مشكوكا فيها من أصل مائة حالة إصابة بالشلل العام. وفي عام 1905، وضع أحد أهم خصومه، أليكس جوفروا - التلميذ القديم لفورنييه - هذه الصيغة العجيبة: «أعرف جيدا أن الشلل العام يصيب مرضى الزهري، ولكني لا أعترف بوجود شلل عام يسببه مرض الزهري.»
4
ولكن، المادة الطفيلية المسببة للمرض كانت موجودة. وكان لا بد من الانتظار حتى عام 1906 حين ظهر التحليل المصلي مع بورديه وفاسرمان، بل حتى عام 1913 مع اكتشاف طفيليات مرض الزهري في مخ المصابين بالشلل العام، حتى يتم إقرار الأصل المرتبط بالزهري للشلل العام. وأصبح بالفعل مرض التهاب السحايا المخية الذي يسببه الزهري الثلاثي.
نظرية الانحطاط العقلي
في منتصف القرن التاسع عشر، شهدت نظرية الانحطاط العقلي
5
نجاحا ساحقا وممتدا؛ لكونها تمثل أول محاولة لوضع تفسير عام للجنون. وكانت أعمال بنديكت أوجستين موريل
6 (1809-1873) - كبير الأطباء بمشفى ماريفيل ثم مشفى سان يون - هي ما أعاد هذا المفهوم القديم إلى مجال الطب النفسي. ويقترح موريل تصنيفا للأمراض العقلية يرتبط أكثر بالأسباب وليس بالأعراض، مشددا على «العلاقات غير الطبيعية التي تقوم بين الذكاء وأداته المريضة؛ أي الجسد.» كان الأمر بالنسبة إليه عبارة عن تحول باثولوجي للإنسان الكامل كما خلقه الله، وتبدو الخطيئة الأولى هي السبب الأولي للانحطاط العقلي. ما هي إذن أسباب «هذا الانحراف المرضي للنوع»؟ تكون هذه الأسباب تارة وراثية وتارة حتمية. تقود هذه الميول الأولية - البدنية أو المعنوية، الفردية أو العامة - عن طريق الوراثة إلى الجنون بمجرد ظهور سبب حتمي. ويضع موريل تصنيفا للأمراض العقلية من فئتين: الأمراض العرضية ذات الطابع الإكلينيكي الحاسم، والأمراض البنيوية أو الوراثية. ويندرج تحت النوع الأول حالات الجنون بسبب التسمم: الجنون الهستيري، والصرع، وجنون الوسواس المرضي، والجنون السمبثاوي (المرتبط بهم)، والجنون مجهول السبب (الموجود بذاته دون أي أعراض أخرى). أما النوع الثاني - الأكثر عددا وفقا لتقسيم موريل - فيتكون من حالات الجنون الوراثي، الذي يقسمها إلى أربع مجموعات تبدأ من «المبالغة البسيطة في المزاج العصبي» وحتى الخرف التام.
في نهاية القرن العشرين، كان مانيان وتلاميذه يميزون - في تصنيفهم للأمراض العقلية - من ناحية بين الحالات المختلطة، مستخدمين في ذلك الطب النفسي وأيضا الباثولوجي العام بسبب علاقاتهم العضوية، وبين الذهن من ناحية أخرى بدءا من جنون المختلين. وإلى جانب البله والمختلين عقليا التقليديين، ظهرت فئة جديدة من «المختلين» تتسم بالهذيان الفجائي (مفهوم «نوبة الهذيان» الجديد). أما بالنسبة إلى المرضى الذين لا تظهر عليهم علامات واضحة للانحطاط العقلي، فيجعلهم مرضهم الخفي أكثر استعدادا للجنون المتقطع أو «للهذيان المزمن المنظم» (وهو هذيان منظم بعناية ذو نمط موحد).
صفحة غير معروفة