تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
تصانيف
نقف عند هذا الحد من الوصف، لنكفي القارئ مئونة الشعور بما يحرج الصدور.
أما تحسين باشا فإنه لما رأى ذاك الإلحاح من القناصل وغيرهم، ورأى من وجه آخر أن القتال في شوارع سلانيك لا يجدي نفعا مع ضعف قوته، وافق على طلبهم وبدأ بالمفاوضة في أمر التسليم، وإليك تعريب التقرير الرسمي الذي أرسله ولي عهد اليونان إلى الموسيو فنزيلوس رئيس الوزارة اليونانية في هذا الشأن، وهو:
جاءني أمس قناصل إنكلترا وفرنسا وألمانيا والنمسا وقومندان موقع سلانيك ومندوب من تحسين باشا ليعرضوا علي الشروط المتعلقة بتسليم مدينة سلانيك والجيش التركي، وطلبوا إلي أن أدع للجنود أسلحتها بعد أن تتعهد لنا بالتزام الحياد إلى آخر الحرب، فأبيت الموافقة على هذا الطلب واقتصرت على وعدهم بإرجاع الأسلحة إليها بعد إنتهاء الحرب، وعينت الساعة السادسة صباحا لقبول الجواب النهائي.
ونحو الساعة الخامسة جاءني قومندان الموقع ومعه مندوب من قبل القناصل وعرض القومندان علي شروطا، فحواها أنه يقبل تسليم الأسلحة ما عدا 5000 بندقية معدة لتعليم الرديف الجديد فأبيت أن أوافق على هذا الشرط أيضا، ثم سافر القومندان والمندوب بعد أن طلب مهلة ساعتين للاتفاق مع القائد العثماني العام، ولما انقضت المهلة بدون أن يعودوا إلي، أصدرت أمري إلى الجيش بالتقدم فعمد إلى الزحف نحو الساعة التاسعة صباحا، ولكن ما اقتربت صفوفنا من مقدمة العدو حتى أرسل إلي تحسين باشا ضابطا ومعه كتاب فيه قبول شروطنا، حينئذ أمرت بالوقوف وأرسلت ضابطين ليكتبا مع تحسين باشا شروط تسليم المدينة التي كان جيشنا واقفا أمامها. ا.ه.
وما بلغ الخبر أثينا حتى قابلته المملكة اليونانية بالابتهاج العظيم وأقامت المظاهر في عاصمتها وغيرها احتفالا بتحقيق أمنيتها بعد 450 سنة، ثم صدر أمر ملكي بتعيين ولي العهد قائدا أكبر للجيوش اليونانية كلها، وكان الملك جورج (الذي قتل) في جيدا، فلما وصله الخبر سافر إلى سلانيك ودخلها باحتفال رسمي يوم 12 نوفمبر، وأصدرت الحكومة اليونانية أمرا بتعيين حاكم يوناني لها.
على أن البلغاريين يدعون السبق إلا احتلال سلانيك، ولكن الأمر الثابت أن تحسين باشا سلم المدينة إلى اليونان. (2-1) نحو مناستر
وكان معظم الفرقة اليونانية الخامسة زاحفا إلى جهة مناستر فقاتل قوة من العثمانيين في ليل 29 أكتوبر وتغلب عليها، وكان من غرائب الاتفاق أن بعض العصابات البلغارية ولا سيما عصابة تزاكالاروف الشهير بعداوته الماضية لليونان وبمعاركه الشديدة معهم، كانت تساعد جنود اليونان في تلك الأنحاء.
وما بلغ قسم من الجنود اليونانية جنوبي بانيتزا في أوائل نوفمبر حتى باغته جاويد باشا بهجوم جعله ينكص مقهورا، ثم حملت الجنود العثمانية في 5 نوفمبر حملة صادقة على ميمنة الفرقة اليونانية الخامسة، فأهلكت نحو ثلثيها، فعجزت القوات اليونانية هناك عن المقاومة وانخلعت قلوبها رعبا ونهكت أجسامها تعبا؛ لأن الجنود العثمانية كانت هناك وافية العدد قوية العزيمة، وذكر جاويد باشا في تقريره وقتئذ أنه غنم 21 مدفعا بينها خمسة من طراز الميتراليوز.
ولكن جاويد باشا أحجم عن مطاردة اليونانيين بعد فشلهم فتمكنوا من الانتظار على مسافة 15 كيلومترا شمالي كوزياني، إلى أن جاءتهم النجدات فعادوا إلى الهجوم، وكان ولي عهد اليونان قريبا من تلك الجهة، فأخذ يتقدم بجيشه نحو مناستر، وحدثت عدة معارك في أثناء زحفه كان الفوز فيها لليونانيين. ولما وصل إلى جهة مناستر كان الجيش العثماني أمامها على أسوأ حال بعد المعركة الكبرى التي وقعت بينه وبين الجيش الصربي كما تقدم في باب معارك الصرب والجيش الغربي العثماني.
وفي 24 و25 من نوفمبر اجتمع ولي عهد اليونان وولي عهد الصرب في مدينة مناستر، وكان هذا الاجتماع كختام للأعمال الحربية الكبرى في معظم جهات مقدونيا، فأعاد ولي عهد اليونان فرقتين من جيشه إلى سلانيك وترك ثلاثا في الجهات المقدونية، ثم أرسلت تانك الفرقتان من سلانيك إلى جهات يانيه التي زحف إليها الجيش اليوناني الغربي بقيادة الجنرال سابوندزاكيس كما قدمنا.
صفحة غير معروفة