تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
تصانيف
وصل البلغاريون فاختاروا أن يعسكروا أمام الجهات التي تفوق سواها قوة وتحصنا؛ لأن أضعف جهة - وهي الواقعة بين قرتال تبه وقوش تبه - كانت بعيدة عن محطة السكة الحديد، فلم يكن في وسع البلغاريين أن ينقلوا إليها المدافع الكبيرة والذخائر وغيرها. وزد على هذا كله أن جميع الأراضي لا تصلح لنصب مدافع الحصار، فلهذين الاعتبارين اختار الجنرال إيفانوف قائد الجيش البلغاري حول أدرنه أن يتجه بمعظم قوته إلى الجهات التي ما بين مريج وطونجه، وإن كانت الحصون العثمانية هناك منيعة جدا.
أما القوات البلغارية التي كانت حول أدرنه فهي 30 مدفعا (12سنتيمترا)، و41 مدفعا قصيرا (15سنتيمترا)، و40 مدفعا كبيرا من العيار ذاته وسبع بطاريات من طراز 75 مصنوعة على قواعد خاصة، غير أن الكولونل بوكابيل يقول: «إن بعض تلك المدافع كان قديما، أما عدد الجنود فقد كان يختلف بين حين وآخر؛ لأن أركان حرب الجيش البلغاري كانوا يبدلون ويزيدون وينقصون حسب مقتضى الحال، ولما قهر الصربيون الجيش العثماني الغربي في قومانوا (كومانوفو) أرسلوا إلى جهة أدرنه معظم الجيش الذي كان يقوده الجنرال ستفانوفتش، فسافرت حينئذ فرقتان بلغاريتان إلى جتالجه، وروى الموسيو دي زيغو نزاك الذي كان مع الجيش البلغاري أن الجنود المحاصرة لأدرنه لم تبلغ يوما مائة وخمسين ألفا، وأن منظر الرديف البلغاري بدا له غريبا، فكان يبصر الشاب بجانب الكهل، ويجد كلا منهم على شكل، بعضهم يلبس الملابس الوطنية، وبعض يلبس عباءة من جلود الخراف، وآخر يتشح ببرنس من الصوف الأسمر أو الرمادي، وغيره متأنق في لبسه.»
على أن روحا واحدة وغرضا واحدا كانا يجعلانهم جيشا ...
أما القوة العثمانية فقد كانت في أوائل الحرب نحو خمسين ألف رجل، ثم انضم إليها عدد من الجنود، واستخدم شكري باشا قائد الموقع كل رجل عثماني صالح للخدمة في المدينة نفسها، قال خليل بك والي ولاية أدرنه في مقال نشره بعد التسليم: «كان في قلاع أدرنه خمسة وسبعون ألفا من الجنود، وبلغ عدد الأهالي مع الذين هاجروا إليها 120 ألفا، وقد لبثنا نعول هؤلاء كلهم إلى أواخر أيام الحصار، وكان في القرى والدساكر المجاورة للمدينة قدر كبير من المؤن والذخائر، ولكن هجوم العدو علينا منعنا من نقلها، فاستولى هو عليها وأطعم جنوده من تلك المؤن زمنا طويلا.»
وكان في القلعة ذاتها عدد كبير من الأبقار والأغنام فأردنا أن نسوق جانبا منها إلى الأنحاء الجنوبية، فاستولت الجنود والعصابات البلغارية على أكثره عند نقله.
وكانت القوات العثمانية الموكلة بالدفاع والهجوم مؤلفة من الفرقة النظامية العاشرة تحت قيادة حسام الدين باشا، والفرقة النظامية الحادية عشرة بقيادة المير لوا إبراهيم باشا، والفرقة الثانية من رديف أدرنه بقيادة المير لوا علي ناظم باشا، وفرقة رديف بابا اسكي الثانية بقيادة الميرالاي نوري بك، وفرقة النشانجية وفرقة كرملنجه بقيادة الميرالاي جلال بك، وطوبجية المواقع.
ثم قال عن المئونة: «كان في القلاع عشرة آلاف كيس من الدقيق، واتفق أن موسم الحصاد كان في زمن التعبئة وأن أصحابه لم يتمكنوا بسببها من إرسال حبوبهم إلى الخارج، فاستفدنا منها وجمعنا عشور مدينة أدرنه وجعلناها وديعة في ذمة الحكومة.»
على أن الملح كان قليلا في بدء الحصار، ولم يكن في المخازن العسكرية شيء منه، فلما بلغني هذا الخبر طلبت منه مقدارا من دده أغاج، ولكن الخطوط الحديدية كانت مشغولة بنقل الجنود وأثقالها، ولم أنل بعد الجهد إلا تسع عربات من الملح باسم الشركة، وما مضى شهران ونصف أو ثلاثة من ابتداء الحصار حتى نفد الملح.
وكان ستون ألف صيفحة من الجبن في مدينة أدرنه، فلما علم أصحابها بخبر تعبئة الجيش أرادوا تهريبها، ثم عرضوا على الحكومة أن تساعدهم على نقلها إلى الخارج مقابل خمسة آلاف أو ستة آلاف من الليرات، ولكن حاجتنا إلى المئونة كالدقيق والأرز والفاصوليا والسكر إلخ، وعجزنا عن استحضارها من دده أغاج أو الأستانة، وملاحظة أن ذاك المقدار من الجبن ينفع الجنود والأهالي معا؛ كل ذلك جعلني أمنعهم من نقل أية كمية من الجبن الموجود، ولقد صح ظني فإن الجبن كان إدام الجنود والأهالي بعد أن نفذ الملح، فكانوا يأكلونه مع الخبز الحلو فيسد بعض الحاجة. أما المرضى والجرحى فقد كنا ادخرنا لهم مقدارا من الملح كفاهم إلى آخر أيام الحصار.
ولما صد البلغاريون الجنود العثمانية التي كانت في مصطفى باشا وغيرها من الجهات الواقعة خارج القلاع، أصدر شكري باشا منشورا قال فيه: إن الجنود العثمانية ستقوم بواجب الدفاع حتى النهاية، وستظهر من الحزم والثبات والشجاعة ما أظهره أبطال بلفنا في الحرب الروسية العثمانية. ثم أوصى الأهالي بالتزام السكون، وطلب إلى السكان الذين لا يملكون مئونة تكفيهم نحو شهرين أن يبرحوا المدينة، على أنهم لم يكونوا يستطيعون السفر جمهورا؛ لأن الخطوط الحديدية كانت مشغولة، فبقي في أدرنه أكثر من ثلثي الأهالي، وبلغ عدد الذين خرجوا من أسر الضباط وغيرهم نحو اثني عشر ألفا على رواية والي أدرنه نفسه.
صفحة غير معروفة