تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
تصانيف
وتلك الدولة العباسية العظيمة مع بسط سلطتها على سلطنة لم تكن سلطنة اليونان والرومان بإزائها شيئا مذكورا، كان معظم دخلها من السواد وخراجه، وليس السواد إلا قسما من هذا القطر.
ثم تطرق إلى المعادن فقال:
إن الفحم الحجري وهو من أعظم أركان الثروة موجود في قسمي أوروبا وآسيا، مما بذلت بعض الهمة في استخراجه كمعادن هركلي، ومما لا يزال مهملا كمناجم مندلي في ولاية بغداد، ومعادن الرصاص الفضي تستخرج قليلة من الأوروبية، ومثلها معادن الحمر في الأراضي السنية بسوريا، والنحاس في أرغني بولاية ديار بكر، وفي مواضع كثيرة معادن ظاهرة توشك أن تكون مهملة كل الإهمال، ومنها الذهب والفضة والأنتيمون والزرنيخ والسنباذج والزئبق والمنغنيس والحديد والقار الحجري والسائل والكبريت والبورق ومقالع الرخام على اختلاف أنواعه. وليس ببعيد أن يكون فيها منابع بترول غزيرة، فقد شرع منذ نحو خمس وعشرين سنة باستخراجه من ضواحي الإسكندرونة ثم أهمل لأسباب غامضة. وأما في ولاية بغداد فوجوده محقق إذ يستعمله أهالي مندلي وجوارها بحالته الطبيعية بلا تصفية، وقد كان مدحت باشا اهتم باستخراجه على الطرق الحديثة، فأنفق مبالغ طائلة على بناء معمل في بعقوبة استجلب له الآلات والمهندسين، وحالما بدت بوارق النجاح غادر مدحت الولاية فأقفل المعمل ولعبت به أيدي الدمار. وأما المياه المعدنية بجميع أنواعها الحارة والباردة فهي متفجرة في مواضع كثيرة لا يكاد يلتفت إليها مع ثبوت مضاهاتها لأحسن الأنواع من أمثالها في أوروبا، وهي كثيرة بعضها في أوروبا كمياه بورصة، وبعضها في آسيا كمياه وادي العمق بولاية حلب.
ومن الغريب أن مياه الحمة في فلسطين التي كان يقصدها عظماء أوروبا للاستشفاء وأنشأ فيها قياصرة الرومان حمامات تدل آثارها على عظمة لا مثيل لها في أشباهها بأوروبا، باتت مهملة لا ينتابها إلا القليلون من أبناء الجوار ممن لا يطيق الانتقال إلى أوروبا.
وأما الملاحات البرية والبحرية فكثيرة جدا وبعضها يستخرج منه الملح بهمة وعناية فينتج دخلا غير قليل، ولا عجب بتلك العناية الخاصة فإدارة الديون العمومية هي الرقيبة عليها الحافظة لدخلها. ا.ه.
فإذا عمرت تلك الأراضي الغنية بطبيعتها وكنوزها، وعمرت معها العقول بالتعليم، والأخلاق بالتربية، وعدل النظام في كل جهة طبقا لأحوالها، وعرف ولاة الأمور كيف يعالجون السياسة الدولية ريثما يتم الإصلاح، فإن السلطنة تبلغ ما تشاء من العمران، وتصبح بإذن الله إنسان عين الزمان.
يوسف ف. البستاني
كلمة أخرى في تأليف هذا الكتاب
رأس الأمور التي يجب على كل مؤلف أن يهتم بها في كل تأليف، هو إفراغ الجهد في الحصول على ثقة القارئ، وها أنا شارح لقراء هذا الكتاب ما فعلته لأكتسب ثقتهم؛ لأنها أفضل ما أرجوه من الأرباح: ما صفر الرصاص وغنت المدافع نغمات الشؤم على هضاب البلقان حتى أخذت أجمع كل مستند رسمي أو شبيه بالرسمي وأطلع على رسائل المكاتبين الحربيين وأرتبها حسب تواريخها. وكنت كلما سمعت أن مراسلا أو كاتبا شهيرا قديرا أصدر كتابا في موضوع الحرب، بادرت إلى شرائه إذا كان موجودا بمصر أو طلبته من أوروبا، حتى اجتمع لدي عدة كتب منها: كتاب الموسيو استفان لوزان رئيس تحرير الماتين الذي كان في الأستانة مدة الحرب الأولى.
وكتاب الموسيو رينيه بيو مراسل التان الحربي الذي كان مع الجيش البلغاري، وزار صوفيا وبلغراد ونقب عن أسرارهما السياسية، وكتاب الموسيو وجنر مراسل الريشبوخت النمساوية، وكتاب الضابط الألماني هوشوختر أو (هوخوختر) الذي كان مع الجيش العثماني، ورسائل المكاتبين الحربيين لجرائد الألوستراسيون والجورنال والديبا، وكتاب الكولونل بوكابيل الكاتب العسكري المعروف في فرنسا، وهو لم يذهب إلى إحدى ساحات القتال، بل جمع كل ما كتب عن الحرب البلقانية الأولى، وقابل بين الروايات المختلفة واستخلص الحقائق بما يدل على مقدرته وطول باعه.
صفحة غير معروفة