أو يوحنا النحوي
2 - كما يدعوه العرب خطأ - من متأخري الذين علقوا على أرسطوطاليس، كما كان من أوائل الذين درسوا الطب في مدرسة الإسكندرية، والسنة التي توفي فيها غير معروفة، ولكن المحقق من أمره، أنه كان يدرس في مدرسة الإسكندرية في الوقت الذي أغلق فيه الإمبراطور «يوستنيانوس» مدارس أثينا سنة 529 ميلادية.
ومن مشهوري فلاسفة الإسكندرية «بولس الأجانيطي»
Aeginae ، وكان يدرس في الوقت الذي وقع فيه الفتح العربي، وظلت كتبه زمانا طويلا تدرس في مدرسة الإسكندرية كمتون ذات قيمة كبيرة في علم الطب، وكان أعلام المدرسة قد رسموا برنامجا، لعله الأول من نوعه في تاريخ الدرس والتحصيل لتدريس الطب، يدرسه كل من أراد أن يزاول تلك الصناعة عمليا.
ولذلك انتخبوا ست عشرة مقالة من مقالات «جالينوس»، وترجموها ليؤلفوا منها برنامج الطب في المدرسة، ثم اختصروا بعضها واتخذت المختصرات كرءوس موضوعات تلقى على نسقها المحاضرات التعليمية شرحا وتفصيلا. وغالب الظن أنهم ما نزعوا إلى اختصار مقالات «جالينوس»، واتخاذها رءوس موضوعات فقط، إلا لما أنسوا في أنفسهم وفي أساتذتهم من قوة الابتكار والتعمق في الدرس، لأبعد مما كان يحدده لهم «جالينوس» في مقالاته، وفي ذلك الزمان أصبحت مدرسة الإسكندرية منبعا للكثير من الأبحاث المبتكرة المحققة النفع، لا في مادة الطب وحدها، بل في علم الكيمياء، وكثير من العلوم الطبيعية. وما أشبه مدرسة الإسكندرية قبيل الفتح العربي بخلية تدوي بمختلف البحوث العلمية.
بيد أن هذه الحركة الطيبة لم تخل من نتائجها الرجعية، على ما كان فيها من نزعة إلى العلم والفلسفة والتنوير الذهني، فإن التقاليد - وأجدر بها أن تؤثر في ذلك العصر أضعاف تأثيرها في عصرنا هذا - قد أفسدت بعض وجوه العلم والفلسفة، فنزعت فئات إلى ناحية «الجمود الفلسفي»
ابتغاء الضغط على العقول والرجوع بها إلى العالم المجهول من الفلسفة، على اعتقاد أن إدراكه من طريق الطلسمات وفن التنجيم مستطاع على الأقل.
هذا هو السبب المباشر في كثرة ما تقع عليه عند العرب من ضروب المفاسد والشعوذة، وفي كل ذلك يقول كبار المؤرخين: إن الذنب في ذلك ليس ذنب الإسلام ولا المسلمين، ولا ذنب العقل السامي، ولكنها وراثة ورثها العرب عن الإسكندرية بعد الفتح العربي، كما ورثتها جامعة «بادوى»
الأوروبية في القرون الوسطى عن العرب.
كان أول احتكاك للعرب بالآراء اليونانية في مدينة الإسكندرية؛ لذلك كانت وراثتهم منها أقرب من وراثتهم عن سوريا، ولهذا انتشر عندهم التنجيم، ودلف العرب بقدمهم في مفاوزه الوعرة، وظلوا عليه عاكفين حتى آخر عصور مدنيتهم؛ ذلك لأن نجم الإسكندرية في العلم قد أطفأ أنوار السريانية، وأخص ما يأخذ بلب الناس في مثل تلك الحالات خداع الشهرة وبعد الصيت؛ لهذا أكب العرب تحت تأثير تلك العوامل على نواتج العقل في الإسكندرية، دون ما تضمنت السريانية من مباحث العلم والفلسفة.
صفحة غير معروفة