لقد ظل العرب طوال قرون يقصرون مباحثهم في الكيمياء على البحث وراء تحويل المعادن إلى ذهب، ولكن انقلبت الفكرة فيما بعد ذلك فأخذت الكيمياء بضلع أوسع من العلاقة بعلم الطب، ولو أنها لم تتحرر تحريرا مطلقا من الأساطير القديمة، وكان لذلك العلم ثلاثة أغراض عند القدماء؛ الأول: إيجاد محلل عام لكل المواد العنصرية، ثانيا: اكتشاف ما يدعونه بحجر الفلاسفة الذي يحول المعادن إلى ذهب، ثالثا: العثور على إكسير الحياة، وهو دواء يشفي جميع العلل والأمراض. إن موضوع هذا العلم كما كان يدركه القدماء لا يمت بآصرة بعيدة أو قريبة لعلم الكيمياء كما عرف في العصور الأخيرة، غير أن تحويل العناصر إلى بعضها بالتجارب الكيماوية لم يصبح في القرن العشرين ذلك الحلم الخيالي الذي تصور أهل القرن التاسع عشر أن القدماء تعلقوا بأهدابه ضلة، على أن كل ما يهمنا في هذا الموضوع هو ما أقر عليه المؤرخون في تاريخ العلم عند العرب في أنهم كانوا ذوي كفاءات اختبارية عظيمة، وأنهم أجروا اختبارات جليلة القدر كبيرة الفائدة، ولو أنهم لم يدركوا كل الإدراك ما كان لاختباراتهم تلك من الشأن والخطر الكبير.
إن كل المتون التي نشرها مسيو برتيلو بلا استثناء تبدأ بالتحذير من إذاعة أسرار تلك الصناعة، وغالبا ما تتضمن فقرات يدرك منها أن كاتب المتن قد تعمد أن يغفل ذكر بعض التجاريب والاختبارات لئلا يتناولها العامة الذين لم يتثقفوا فيفسدون على الناس أمرهم وينكثون فتل الآداب والأخلاق، بما يصبح بين أيديهم من الذهب الذي يحولونه عن المعادن الأخرى.
والكيماويون من العرب يدعون أنهم وصلوا إلى تحويل المعادن إلى ذهب، وأنهم وقفوا على سر ذلك، والتاريخ مملوء بإشارات إلى تلك الدعوى، غير أن بعض الناقدين من معاصري الذين ادعوا هذه الدعوى يقولون بأن دعواهم لا دليل عليها ولا صحة لها، وكثيرا ما أشار المؤرخون إلى أن المعلم الثاني، أبا نصر الفارابي كان يعتقد بصحة ذلك الأمر، وأنه كان ثابت اليقين في إمكان تحويل المعادن إلى ذهب، غير أنه مات فقيرا معدما، بينا تجد أن الرئيس ابن سينا، وهو ممن لم يعتقدوا ذلك الاعتقاد، مات في كفاف من العيش، وكان في مستطاعه أن يجمع ثروة كبيرة، لو أنه أراد ذلك.
ولقد اختلف المشتغلون بالكيمياء من العرب في كيفية تحول المعادن، أي في صحة الكيمياء كما كانت تعلم في الصور الأولى، فقال بعضهم بأنها تتحرك فيصير النحاس فضة وتصير الفضة ذهبا، وقال غير هؤلاء: إن المعادن لا تتغير إلا في صورتها لا غير، فيصبغ النحاس فيصير أبيض اللون كالفضة، وتصبغ الفضة فتصير كالذهب، ولكن كل معدن يظل حافظا لصفاته الأصلية فتظل الفضة فضة والنحاس نحاسا والذهب ذهبا (راجع المقتطف م41 ص105 وما بعدها).
قال حجي خليفة في كشف الظنون: «إن الناس في علم الكيمياء على طريقتين؛ فقال كثير ببطلانه، منهم الشيخ الرئيس ابن سينا، أبطله بمقدمات في كتاب الشفا، والشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية، صنف رسالة في إنكاره، وصنف يعقوب الكندي أيضا رسالة في إبطاله، وكذلك غيرهم؛ لكنهم لم يوردوا شيئا يفيد الظن لامتناعه فضلا عن اليقين، وذهب آخرون إلى إمكانه منهم الإمام فخر الدين الرازي، فإنه في المباحث الشرقية عقد فصلا في إمكانه، والشيخ نجم الدين رد علي الشيخ ابن تيمية وزيف ما قاله في رسالته، ومؤيد الدين الطغرائي صنف فيه كتبا منها «حدائق الإشهادات»، وبين إثباته والرد على ابن سينا.
ولا يقصد هنا بالإثبات والإنكار إلا مسألة تحويل المعادن بعضها إلى بعض؛ لأن الظاهر أن هذه الفكرة هي التي دار حولها محور علم الكيمياء في كل عصور المدنية العربية.
قال الرئيس ابن سينا في إنكار تحول المعادن:
نسلم بإمكان صبغ النحاس بصبغ الفضة والفضة بصبغ الذهب، إلا أن هذه الأمور المحسوسة يشبه ألا تكون هي الفصول - أي الخواص - التي تصير بها هذه الأجساد أنواعا، بل هي أعراض ولوازم، والفصول مجهولة، وإذا كان الشيء مجهولا فكيف يمكن أن يقصد قصد إيجاد أو إفناء؟
وقال الإمام الرازي مثبتا:
الإمكان العقلي ثابت؛ لأن الأجسام مشتركة في الجسمية، فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الكل، أما الوقوع فلأن انفصال الذهب عن غيره هو بالرزانة، وكل واحد منهما يمكن التشابه فيه ولا منافاة بينهما.
صفحة غير معروفة