وفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة مات أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الحراني المعروف بالبتاني أحد المشهورين برصد الكواكب، ولا يعلم أحد في الإسلام بلغ مبلغه في تصحيح أرصاد الكواكب وامتحان حركتها، وكان أصله من حران صائبا.
وجاء في الزيج الصابي الذي طبع حديثا برومية 1799، وكان قد ترجم إلى اللاتينية وطبع بها سنة 1537 «من المقدمة العربية» ما يلي:
إن من أشرف العلوم منزلة علم النجوم؛ لما في ذلك من جسيم الحظ وعظيم الانتفاع بمعرفة مدة السنين والشهور والمواقيت، وفصول الأزمان وزيادة النهار والليل ونقصانهما، ومواضع النيرين وكسوفهما، وسير الكواكب في استقامتها ورجوعها، وتبدل أشكالها ومراتب أفلاكها وسائر مناسباتها، وإني لما أطلت النظر في هذا العلم ووقفت على اختلاف الكتب الموضوعة لحركات النجوم، وما تهيأ على بعض واضعيها من الخلل في ما أصلوه فيها من الأعمال، وما ابتنوه عليها، وما اجتمع أيضا في حركات النجوم على طول الزمان لما قيست أرصادها إلى الأرصاد القديمة، وما وجد في ميل فلك البروج على فلك معدل النهار من التقارب، وما تغير بتغيره من أصناف الحساب، وأقدار أزمان السنين، وأوقات الفصول واتصالات النيرين التي يستدل عليها بأزمان الكسوفات وأوقاتها، أجريت في تصحيح ذلك وإحكامه على مذهب بطليموس في الكتاب المعروف بالمجسطي، بعد إنعام النظر وطول الفكر والروية، مقتفيا أثره، متبعا ما رسمه، إذ كان قد تقصى ذلك من وجوهه، ودل على العلل والأسباب العارضة فيه بالبرهان الهندسي العددي، الذي لا تدفع صحته، ولا يشك في حقيقته، فأمر بالمحنة والاعتبار بعده، وذكر أنه قد يجوز أن يستدرك عليه في أرصاده على طول الزمان، كما استدرك هو على أبرخس (راجع القفطي ص50 و51 طبع مصر) وغيره من نظرائه، ووضعت في ذلك كتابا أوضحت فيه ما استعجم، وفتحت ما استغلق، وبينت ما أشكل من أصول هذا العلم وشذ من فروعه، وسهلت به سبيل الهداية لم يأثر به ويعمل عليه في صناعة النجوم، وصححت فيه حركات الكواكب ومواضعها من منطقة فلك البروج على نحو ما وجدتها بالرصد وحساب الكسوفين وسائر ما يحتاج إليه من الأعمال، وأضفت إلى ذلك غيره مما يحتاج إليه، وجعلت استخراج حركات الكواكب فيه من الجداول لوقت انتصاف النهار من اليوم الذي يحسب فيه بمدينة الرقة وبها كان الرصد والامتحان على تحذيق ذلك كله.
وحقق البتاني ما يلي: «عن المقتطف مجلد 39 ص148 »:
أولا:
أن ميل فلك البروج على فلك معدل النهار هو 23 درجة و35 دقيقة، وكان أبرخس قد حسبه 23 درجة و51 دقيقة، وهو الآن 23 درجة ونحو 27 دقيقة. وقد حسب علماء الفلك المتأخرون أنه يتغير قليلا، وقد كان في زمن البتاني 23 درجة ونحو 34 دقيقة فأصاب في رصده وحسابه إلى حد دقيقة واحدة.
ثانيا:
أن طول السنة الشمسية 365 يوما و5 ساعات و46 دقيقة و24 ثانية، وكان أبرخس وبطليموس قد حسباه 365 يوما و5 ساعات و55 دقيقة و12 ثانية، وهو 365 يوما و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، فأخطأ البتاني بمقدار دقيقتين و22 ثانية فقط، وسبب خطئه في اعتماده على رصد بطليموس لا من رصده هو.
ثالثا:
دقق في حساب إهليلجة فلك الشمس، فقال: إن بعد الشمس عن مركز الأرض إذا كانت في بعدها الأبعد يساوي 1146 مرة مثل نصف قطر الأرض، وإذا كانت في بعدها الأقرب يساوي 1070 مرة مثل نصف قطر الأرض، وإذا كان في متوسط بعدها يساوي 1108 مرات مثل نصف قطر الأرض، والنتيجة التي وصل إليها قريبة جدا مما وصل إليه العلماء الآن.
صفحة غير معروفة