الوسيط من أدب وفلسفة وفن وعلم ودين، وأسباب الحياة السياسية والاقتصادية.
ب- هذه الثقافة القديمة تنضح بالوثنية من كل جانب، فانتشرت الوثنية في الأفكار والأخلاق. رأى فيها فريق كبير من الغربيين صورة إنسان الفطرة والطبيعة، واعتبروا دراسة القدماء كفيلة وحدها بتكوين الإنسان بمعنى الكلمة، فسميت هذه النزعة بالإنسانية أي: المذهب الإنساني، وسميت الآداب القديمة بالإنسانيات. وجاءت كشوف كولومبوس وفاسكو دي جاما وماجلان ودريك في أواخر القرن، بمعلومات كثيرة عن شعوب كانت بمعزل عن المسيحية، وكان لها أديان وأخلاق، فظهرت فكرة الدين الطبيعي والأخلاق الطبيعية. وهكذا تكونت في الغرب المسيحي نظرية جديدة في الإنسان تقنع بما يسمى بالطبيعة وتستغني عما فوق الطبيعة، كأنها تقول لله: نشكرك اللهم على نعمتك، ولكنا بغير حاجة إليها! ولسنا نرى إلا أن هذه النظرية تعتمد على إحدى وجهتين للثقافة القديمة، وتغفل عن الوجهة الأخرى؛ فقد كانت المدنية اليونانية والرومانية تقوم على علاقة وثيقة بين المواطنين والآلهة، وكانت العقول مشغولة بالقدر والغيب، وبقيت "الأسرار" ناشطة طول عهد الفلسفة، وتأثر بها أعاظم الفلاسفة، حتى تحسر أفلاطون على أن وحيًا إلهيًّا لم ينزل بخلود النفس فيقطع التردد والقلق، وحتى رأى رجال الأفلاطونية الجديدة أن كمال الفلسفة في كمال الدين والتصوف، ويقال مثل هذا في جميع الشعوب القديمة: كان الدين أظهر مظاهر حياتهم، يتناولها في جميع نواحيها وينظمها أدق تنظيم. وإذن فقد أخطأ الإنسانيون إدراك روح اليونان والرومان وغيرهم من الأمم، وخدعهم عن هذه الروح بعض الشعراء الماجنين والفلاسفة الماديين، ولكن هكذا كان، فنجمت نتائج خطيرة.
ج- كان من آثار المذهب الإنساني العمل على سلخ الفلسفة عن الدين، أو بعبارة أدق: العمل على إقامة الفلسفة خصيمة للدين، والحملة على الفلسفة المدرسية بالتهكم على لغتها وبحوثها وطريقة استدلالها؛ بل الحملة على العصر الوسيط بجميع مظاهره، ورميه بالجهل والغباوة والبربرية. وكان ما هو أخطر من هذا: كان أن تسرب المذهب الإنساني إلى المسيحية نفسها، وأخذ يعمل على تقويضها من الداخل. فما كانت البروتستانتية في البدء إلا "احتجاجًا على الغفرانات" ودعوى إصلاح في الإدارة الكنسية والعبادة، ثم زعمت أن الدين يقوم على "الفحص
1 / 6