قال أنوشروان: وفي تلك المدة، استدعاني السلطان إلى بابه، وانتهت شدة حالي، وانقضت مدة اعتقالي، وأنقذني اللطف الرباني من كيد الخصوم. وعرفتني التجارب أنه لا محيد من المحتوم. وعلمت أنه لا يجدي طلب العز في زمان الذل، ولا يوجد الخصب في سنة الأزل. وصممت في الاعتزال حد العزم، ونزلت على آل المهلب ذوي الكرم والفضل والعلم، كما قيل:
نزلت على آل المهلب شاتيا غريبا عن الأوطان في زمن محل
فما زال بي إحسانهم وافتقادهم وألطافهم حتى حسبتهم أهلي
قال: ويعني أنوشروان بآل المهلب الإمام صدر الدين عبد اللطيف بن محمد ابن ثابت الخجندي بأصفهان وكان أجود الأمجاد، وأمجد الأجواد. فلما ضافه أنوشروان أكرم مثواه، وقبله وآواه. قال: قال أنوشروان: فصرف إلى الأصدقاء الهمم، وحقق إكرامهم عندي الكرم واستقرضت من تاجر غريب جملة. وكتبت له علي وثيقة فجاءني بعد حين إنسان، وقال مخدومي عزيز الدين يسلم عليك، وقد نفذ هذه الوثيقة إليك، وقال لك أبطلها فإن الدين قد قضى، وصاحبه قد رضي. فعجبت كيف توسل في إسداء هذه اليد إلى، وأفضاله علي. فبقيت مدة في تلك الضيافة آمنا من المخافة سالما من الآفة. حتى استدعاني السلطان بعد قتل الوزير، وأهلني للتدبير. فامتنعت أياما، وطلبت من الخطر زماما.
ولما وصلت إلى الدركاه رأيت كلا من الجماعة، يقول ما استحضر إلا لسبب، وما استقدم إلا لأرب. قال: فراجعت فكري، وندمت في أمري وقلت أعمال السلطان عواري لابد من ارتجاعها، وملابس لابد من انتزعها. ولو خلصت لكنت فرحت. ولو استخرت الله في الانزواء لاسترحت. وكان السلطان في الإذن لي متوقفا وأنا قد ملت إلى الوحدة والانفراد، وقصرت همتي على هذا المراد. فما زلت به حتى استأذنت منه فأذن لي في الانصراف، وخصني من مواعيد عوائده الجميلة بالألطاف. فساعدني أرباب الدولة من الخيل وغيرها بما حمل أثقالي، ومن الأزواد وغيرها بما ثقل أحمالي.
وتوجهت من أصفهان إلى بغداد. وعدمت الملاذ لأجل الملاذ. فلما وصلت إلى حضرة الخلافة وجدت الإكرام، والإنعام والاحترام.
ذكر وزارة الدركزيني في سنة 518 ه
صفحة ٢٧٧