قال: وسرت في الخدمة لما ساروا إلى أصفهان. وما دام هذا الوزير في ولاية السلطان ظهرت له آثار حميدة وآراء سديدة. وكانت علامته: "الحمد لله على نعمه ". وكانت له في الباطنية نكايات، ورفعت له في فتح قلعة شاهدز رايات. وكانت قلعة منيعة على جبل أصفهان تناصي السماء1، وتناظر الأفلاك. وقد تحصن بها أحمد ابن الملك بن عطاش طاغية الباطنية في طائفته. وبليت أصفهان وضياعها ببليته. فسما لها سعد الملك بالرأي الصائب والعزم الثاقب وتلطف في افتتاحها. ودبر في استنزال من فيها على إيثار الملة الإسلامية واقتراحها. فأنزلوه من معقل إلى عقال. وبدلوه آجالا من آمال. وألصقوا خد تلك القلعة بالترب. ووضع الهناء فيها مواضع النقب.
وكذلك افتتح قلعة خان لنجان، وهي أيضا بقرب أصفهان. وكانت قد خربت تلك الولاية بما لأهلها فيها من النكاية. وكانت بأصفهان رئيس يقال له عبد الله الخطيبي وهو حاكمها والمستولي علي رئاستها، وهو رجل جاهل، من أنواع العلوم خال محتال، يبدي تنمسا بإظهار زهد وورع محال على محال . ولم يكن له سوى ضخامة جثة، وفخامة لحية كثة. وكان لقاؤه الأمي مقبولا، وكلامه السمي معسولا.
وكان من هذا الوزير خائفا، بمعرفة الوزير بباطن شره عارفا. وطلب من السلطان خلوة غر السلطان فيها بتنميسه. وروج لديه سوق تلبيسه. وتم نفاق نفاقه وبرز هلال محاله من محاقه. وجرى من مناصيبه على سعد الملك أنه حقق في اعتقاد السلطان أنه صديقه الصادق ورفيقه الموافق. إلا أن فيه عيبا واحدا وهو أنه إلى الباطنية مائل وبمذهبهم قائل. وإنه مجتهد في إزالة هذا الاعتقاد من قلبه، والمبالغة في نصحه إشفاقا على ما أجد من حبه، فإنه يعز علي فساد مثله مع فضله ونبله. واعتقد السلطان صدق قول الخطيبي، وحسبه خاليا من الغرض، حالبا للنصح المفترض.
ثم أغفل مدة وعاد إليه وآسه من قبوله. وأسف على ما فاته إليه من سوله 2.
صفحة ٢٤٢