قال: وخرجت السنة، والوحشة القائمية قائمة، وعين التأنيس عن إزالة أسبابها نائمة. فلما دخلت سنة 454 ه أجاب الخليفة في المحرم منها إلى الوصلة، وكتب وكالة باسم عميد الملك شهد فيها قاضي القضاة وابن يوسف بما سمعاه من تلفظه بالإجابة، وضبطت الشهادات بالكتابة. وسير أبو الغنائم بن المحلبان في الرسالة، واستصحب كتابة الوكالة: فسر السلطان واحتفل، ووفي له القدر بما كفل. وعقد العقد في ظاهر تبريز بالمخيم. وكان رئيس العراقيين بالمعسكر فأعيد إلى بغداد في صحبة ابن المحلبان، وسيرت على يده الهدايا، وأصحبه برسم الخليفة ثلاثين غلاما وجارية أتراكا، على ثلاثين فرسا وخادمين، وفرسا بمركب ذهب وسرج مرصع بالجواهر الثمينة، وعشرة آلاف دينار، وبرسم السيدة عشرة آلاف دينار، وتوقيعا ببعقوبا وما كان لخاتون المتوفاة بالعراق، وعقدا فيه ثلاثون حبة، كل لؤلؤة مثقال، وبرسم عدة الدين خمسة آلاف دينار، وبرسم السيدة والدة المخطوبة ثلاثة آلاف دينار، وذلك في شوال من السنة. فلما قرب رئيس العراقيين من بغداد، تلقاه الناس واستبشروا بانتظام الألفة بين الإمامة والسلطة، فلما وصل إلى باب النوبي نزل وقبل الأرض، ثم وصل إلى باب أرسلان خاتون زوجة الخليفة، وأدى من خدمتها الفرض، وأوصل إليها ما حمله. فتولت تسليمه، وباشرت عرضه بالمقام النبوي وتقديمه.
ذكر سبب تولي ابن دارست وزارة الخليفة إلى حين انصرافه
قال: كانت وزارته في سنة 453 ه وسبب ذلك أن الخليفة لما عاد إلى الدار عدم الوزير، وفقد من يتولى التدبير. فحدث رأيه بأنه يستخدم رجلا خدمه بالحديثة، وهو أبو تراب الأثيري، وقد وجده أثير الأثر فلقيه حاجب الحجاب عز الأمة، واستخدمه في الإنهاء وحضور المواكب وتنفيذ الأوامر المهمة.
قال: وكانت بين ابن يوسف وبين الأثيري وحشة، حملت ابن يوسف على أن ذكر ابن دارست وقرظه، وقال: إنه مع أمانته يخدم بغير إقطاع ويؤدي مالا. فمضت الكتب إليه وهو في شيراز باستدعائه، فقدم الجواب باستعفائه. فخرج إليه ابن رضوان ومعه ظفر الخادم لاستقدامه، وقوي عزمه أبو القاسم صهر ابن يوسف، فورد بقوة اعتزامه. وكتب عميد الملك عن السلطان إلى الخليفة بأنه كاره لاستقدامه واستخدامه، لا ملاقة مع ثروة المال من الكفاية وإعدامه. فأجاب الخليفة: أنه مع وصوله إلى واسط ومفارقته وطنه، لا يجوز رده، ولا يخلف وعده. وقدم بغداد ثامن ربيع الأول سنة 453 ه، ووصل إلى الخليفة في منتصف شهر ربيع الآخر، وأفيضت خلع الوزراة عليه، وأفضت مع الوزارة الأمور إليه. وبقى في المنصب منتصبا إلى رابع ذي الحجة سنة 454 ه، فإنه صرف من تلك المراتب بل ترك الخدمة مستعفيا، ولرقة جاهه مستجفيا. قال: وكانت وفاته بالأهواز حادي عشر شعبان سنة 467 ه.
ذكر حوادث في هذه السنين
قال: في سنة 450 ه توفي القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري ببغداد، عن مائة سنة وسنتين. وكان صحيح السمع والبصر، سليم الأعضاء يناظر ويفتي، ويستدرك على الفقهاء. وحضر عميد الملك الكندري جنازته، ودفن بالجانب الغربي عند قبر الإمام أحمد بن حنبل.
صفحة ١٩٦