وأما الملك سلجق فإنه ظن أنه ملك، وأن خصمه هلك، وأن بوزابه على كل حال مملوك لا يقدم على المالك، وأنه إنما فر لانسداد المسالك. ورجا أيضا من غزأغلي أتابكه أنه لا يخل بالتيقظ، ولا يخلي ما يجب عليه من التحفظ. وكان الأمر بالعكس، وسقم حاله على النكس. فإن أتابكه اشتغل بالأكل والشرب، واللهو واللعب. فبينا هو كذلك إذ هجم عليه بوازبه وعلى الملك سلجق فقتل وفتك، وأسر وأوثق. ولم ينج من العسكر إلا القليل، ولم يعرج على الخليل الخليل. وقبض على سلجق وحمله إلى قلعة أسفيذدز وكان ذلك آخر العهد به، ولم يشك أحد في عطبه. فتمكن بوزابه من ملكه، وجرى على المراد مدار فلكه. واستشعرت الملوك مهابته، وتجنبت الأسود غابته. فلم يركض إلى فارس بعدها فارس، ولم ينل الفريسة بها غيره فارس. وأما قراسنقر، فإنه لما انتهى إليه الخبر، وعلم أنه لا قدرة له على دفع ما نواه القدر، مضى على وجهه موليا، موليا أن لا يكون بعدها متوليا. فلما وصل إلى بروجرد صادفه الخبر بأن مدينة جنزة وأعمالها قد خسف بها، وأن الزلزلة قد هدمتها، وأنها خربت حتى كأن الأرض عدمتها، وأن الكفار الأبخارية الكرجية هجمتها. وقد باد من أهلها مقدار ثلاثمائة ألف نفس، فأمروا الباقين إلا من احتمى بقلعتها، وآوى إلى تلعتها. وذلك مع تشعث سورها، وتهدم دورها. وأن الأموال نبشت، وأن الخبايا فتشت. فأغذ قراسنقر السير إليها، وكان إيواني بن أبي الليث-لعنه الله-مقدم عسكر الأبخاز، قد قرن الزلزلة الزلازل، وبالنازلة النوازل. وكان قد حمل باب مدينة جنزة، وبنى مدينة سماها جنزة، وعلق عليها ذلك الباب، واغتنم غيبة قراسنقر عن البلاد فسماها العذاب. وذلك في سنة 533 ه.
فلما وصل قراسنقر، عادت دولة الدين، وعادة النصر والتمكين. وظهر أهل التوحيد على أهل التثليث، ونعش الطيب بعثار الخبيث. وواقعهم قراسنقر فهزمهم وثلمهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وخرب البلدة المستحدثة وأعاد باب جنزة إليها، وأعادها في العمارة إلى أحسن حالاتها وأجمل هيآتها. وكان من جملة من هلك بها، زوجته بنت الأمير أرغان وأولاده، فاستولى عليه الهم وعلق به السل. وبقي مدة يتداوى ولا يبل. وتوفي سنة 535 ه بأردبيل، فأكثر المسلمون عليه العويل، وعدموا عنه البديل. قال: وكان لما اتصل به أجله، وانقطع عن الحياة أمله، أحضر جاولي الجاندار ونصبه مكانه، وسلم إليه ابنه وجنوده وسلطانه، ووصى إليه بقطع دابر الكفار، ومواصلة بر الأبرار. فتولى ولايته، ووصل بنهايته بدايته. وأنفذ إليه السلطان مسعود الخلعة والعهد، وأجزل له العطاء والرفد. وقرر عليه جميع أعمال قراسنقر بأرانية وأذربيجان، وولاه تلك المعاقل والمدن والبلدان، ونهض الأمير جاولي في السنة الثانية إلى خدمة السلطان، فقبل البساط وبسط له القبول، وعرض هداياه وتحفه وطرفه والحمول. فضاق الفضاء الواسع بمضارب جنوده، وخفقت القلوب لهيبة خوافق بنوده.
صفحة ٣٠٨