قال الشاعر:
أقول لها ودمع العين جار
ألم يحزنك حيعلة المنادي؟
وجعفد جعفدة قال: جعلت فداك. ودمعز دمعزة قال: دام عزك. وطلبق طلبقة قال: أطال الله بقاك. ومشكن مشكنة قال: ما شاء الله كان. وسمعل سمعلة قال: سمع الله لمن حمده. وكبتع كبتعة قال: كبت الله عدوك. وسملع سملعة قال: السلام عليكم. وقالوا: حبرم القدر إذا وضع فيها حب الرمان، وأمثلة ذلك كثيرة حتى ذهب ابن فارس وجماعة من المحققين إلى أن الأسماء الزائدة على ثلاثة أحرف أكثرها منحوت مثل قول العرب: رجل ضبطر أي شديد أو ضخم مكتنز اللحم، منحوت من: ضبط وضبر بمعنى اشتد خلقه وتوثق، قال: ومنه أسد صلدم ورجل صلدم أي صلب منحوت من صلد وصدم، وبعثر منحوت من بعث وثبر، وبحثر من بحث وأثار.
ويرى الخليل أن النحت يجيء في الحروف، قال: أصل «لن» لا أن فخففت فصارت لن، وقد حدث لها بالتركيب معنى جديد في الجملة.
وللنحت يد سموح في إمداد اللغة العربية بالثروة ولا سيما لغة العلم، ولكن بعض المتأخرين من النحويين حالوا بين أهل العلم وبينه بقولهم إنه باب سماعي، وبذلك أوصدوه في وجوه القوم، على حين الحاجة ماسة إلى فتحه وتوسيعه بقدر المستطاع لمعالجة الفاقة اللغوية تجاه المعاني العلمية التي فاض فيضها وعب تيارها في هذا العصر.
ثم ما لنا وللمتشددين من متأخري النحاة الذين كلما انفتح أمام اللغة باب تتنفس منه هرعوا إليه وسدوه، على زعم أنهم يخدمونها بالمحافظة عليها وسد مسالك العجمة عنها؟! وما أشبه عملهم هذا بعمل تلك الصينية التي تضع قدميها في زوجي خف من الحديد للمحافظة على غضارتها وجمالها، ولم تدر أنه سوف يأتي عليها زمن تفقد فيه هاتان القدمان قوتهما وتعجزان عن القيام بوظائفهما! وكذلك شأن اللغة عند هذا الفريق من القوم يوصدون عليها أبواب القياس ويأخذون عليها مجامع الطرق على زعم أنهم يحرسونها ويحافظون على نضارتها ويبقون على غضارتها، وفاتهم أنهم بهذا الصنيع يعملون على إماتتها بإماتة عناصر الحياة فيها وإبعاد عوامل النماء عنها، وأنهم لا يزالون يضيقون عليها السبل حتى يقول المرجفون والذين في قلوبهم مرض: إنها أصبحت لغة مصابة بفقر الدم وذبول الخليات، ومنيت بسائر أعراض الهرم فصارت عاجزة عن أن يتسع صدرها للمعاني الجديدة المتكاثرة والعلوم العصرية المتدفقة بالمصطلحات، وبذلك يسجلون عليها عجزها وهي غير عاجزة، وفقرها وهي غير فقيرة، وإنما العجز في نفوس الذين يزعمون أنهم قائمون على خدمتها وهم في وأدها مشتغلون، والفقر في تفكيرهم وهم لا يعلمون. (4-3) القلب
هو تقديم بعض حروف الكلمة على بعض، وبذلك تتولد كلمة جديدة تتفق مع أصلها في مادة الحروف وتختلف عنها في الترتيب، مثل: صاعقة وصاقعة، وخطيب مصعق ومصقع، ويئس وأيس، وعاث في الأرض وعثا فيها، وأثول وألوث، ونزغ الشيطان بينهم ونغز، وهو يتسكع ويتكسع إذا تحير، ومرزاب السطح ومزرابه، وكلام وحشي وحوشي، وهم الأوباش والأوشاب؛ أي الأخلاط من الناس.
وأمثلة هذا كثيرة ذكر منها الجلال السيوطي في «المزهر» جملة صالحة، وقد ألف فيه ابن السكيت كتابا خاصا، وعقد له ابن دريد في جمهرته بابا على حدته، وكذلك فعل أبو عبيدة في كتاب الغريب المصنف. وليس في هذا الباب كبير فائدة من حيث الثروة اللغوية إلا من ناحية الألفاظ، أما المعاني فإنها لا تتكثر به إذ المقلوب والمقلوب عنه يدلان على معنى واحد، فإن جذب وجبذ يدلان على معنى واحد وإن تعددا لفظا.
ويذهب البصريون من النحويين إلى أن معظم ما يسميه اللغويون قلبا ليس به، وإنما هو من باب تعدد اللغات، فجبذ عندهم مثلا لغة قبيلة وجذب لغة قبيلة أخرى، وعلى هذا يكون الكثير مما يظنون أن القلب قد دخله ليس بذاك. ولا يتحقق القلب عند هؤلاء إلا إذا تم لإحدى اللفظتين من التصاريف ما لم يتم للأخرى، فعندئذ يعتبرون اللفظة ذات التصريف أصلا وذات التصريف الناقص فرعا مثل يئس وأيس، فإنهم لما وجدوا للأولى منها مصدرا وهو اليأس ولم يجدوه للثانية، قالوا إن الأولى أصل والثانية فرع. وليس هناك فائدة مهمة من وراء هذا الخلاف إلا من وجهة واحدة، وهي أنه: هل كانت القبيلة الواحدة من العرب تستعمل اللفظتين معا أو كانت تستعمل لفظا واحدا منهما واللفظ الثاني تستعمله قبيلة أخرى؟ سيأتي في باب المترادف ما يلقي شيئا من النور على هذه المسألة؛ لأن اللفظين في هذا الباب لا يخرجان عن كونهما مترادفين سواء قلنا بالقلب أو بتعدد اللغات. (4-4) الإبدال
صفحة غير معروفة