وفي كتابه «التصريف» تفاصيل هذا التساوق بين الحروف والطبائع، وتفاصيل استنباطه بعد أن نجرد اسم المادة من الحروف الزائدة فيه.
35
إنه يستفيد من تصريف النحويين ليخرج منه إلى تصريف الكيماويين، وذلك هو ميزان الحروف الدالة على الطبائع.
وهذا التمازج الوجودي - لا بقوة اللغة بل بقوة الحرف - ربما وجد عونا يقويه في بعد إسلامي خالص هو لغوية الحدث القرآني، ومن ثم تمحور الحضارة العربية حول علوم اللغة وإبداعها في هذا إبداعا لا مثيل له في تاريخ البشرية.
غير أن جابرا اشتط في هذا كثيرا، حتى تجاوز روح الإسلام وروح العلم على السواء، فكما رأينا؛ انتهى به الأمر إلى الإيمان بقوة ودلالة الحرف في حد ذاته، وأنه مفتاح طبيعة الشيء، أو طبائع الأشياء الأربعة، ناسيا أن اللغة بأسرها مسألة اصطلاحية اتفق عليها قوم من البشر.
وها هنا يتجلى بعد مشرقي غنوصي لا عقلاني ولا إسلامي على السواء ، ألا وهو علم الطلسم، الذي اهتم به جابر كثيرا، واعتبره واحدا من علوم سبعة هي كل العلوم - أو بالأحرى كل العلوم الكونية - وهي: «علم الطب وعلم الصنعة (الكيمياء)، وعلم الخواص، وعلم الطلسمات، وعلم استخدام الكواكب العلوية، وعلم الطبيعة كله: وهو علم الميزان، وعلم الصور وهو علم تكوين الكائنات»، وينعت الطلسمات دونا عنها جميعا بأنها: «العلم الأكبر العظيم الباطل في زماننا هذا أهله والمتكلمون فيه.»
36
أي لم يعد أحد يفهم فيه، ولكن حين يشرع ابن حيان في تقسيم كل علم من هذه العلوم إلى فروعه ويتحدث عن أصوله، يبدو كيف أحاط هذا الرجل علما بكل البنية المعرفة المطروحة في عصره، وكيف غطت تصانيفه كل مجالات العرفان المطروحة آنذاك. حتى قيل عنه: إنه أعلم علماء العصور الوسطى طرا.
من أعمال جابر الهامة كتابه «الأحجار على رأس بليناس» الذي هو أبلونيوس السكندري، وينسب إليه قوله: «إن للطلسمات موازين مختلفة على قدر خلقها أيضا.»
37
صفحة غير معروفة