وكان أول استعمال لهذا المصطلح في مرسوم للإمبراطور دقلديانونس عام 296م يأمر فيه بحرق الكتب المصرية؛ أي الخيمية أو الكيمية، كتب العلم الذي يحيل المعادن ذهبا فيفتن الألباب ويفتح الأبواب للطمع وللدجل. هذا بعد أن أصبحت الكيمياء الفن المصري والفن المقدس المنسوب إلى توت رب الحكمة، وكما هو معروف عبر العناصر الغنوصية أصبح توت هو الإله هرمس المثلث العظمات، وذلك في مدينة الإسكندرية في العصر البطلمي الذي شهد توهج الكيمياء، وشهدت البشرية فيه أول كتابات في هذا الفن المصري المقدس، بخلاف برديات ليدن التي عثر عليها في أحد قبور طيبة. إن الكيمياء كاسم وكمسمى اختراع مصري خالص.
8
وتكاد تتفق الدراسات الحديثة على رد مصطلح خيمياء وكيمياء إلى هذا الأصل الفرعوني كيمي (التربة السوداء) أرض مصر الخصيبة، وليس التفسيرات الأخرى للمصطلح، تجافي إلى الكلمة اليونانية
Chyma
التي تعني سبك وصهر المعادن، أو ما ذكره حاجي خليفة في «كشف الظنون» عن الصفدي في شرحه للامية العجم من أن اللفظ مشتق من اللفظ العبراني «كيم إيه» أي من عند الله، أو تفسير أبي عبد الله يوسف الخوارزمي في «مفاتيح العلوم»، وهو أن لفظ الكيمياء عربي أصيل مشتق من الفعل كمى يكمي، ويقال كمى الشهادة؛ أي أخفاها وسترها، نظرا لأن هذا العلم كان محاطا بالسرية والكتمان، على أن العرب أطلقوا على هذا العلم أسماء أخرى بخلاف الخيمياء والكيمياء، منها: «علم الصنعة، صنعة الإكسير، الحكمة، علم الحجر، علم التدبير، علم الميزان»، بعض هذه الأسماء راجع إلى طبيعة الموضوع، أو إلى منهج البحث، أو إلى الغرض المستهدف.
9
بيد أن عبد الرحمن بن خلدون - العلم البارز في تاريخ الحضارة الإسلامية، وفي التأريخ لها - أسمى الكيمياء في مقدمته الشهيرة «علم جابر». •••
إذن فجابر بن حيان الأزدي الطوسي في القرن الثاني الهجري هو الإمام الأكبر والعلم الذي خرجت من رحابه كل كيمياء العرب، وكل كيمياء العصور الوسطى، تحمل كيمياؤه تعثر البداية ووعورة شقها للطريق، وفي الآن نفسه زخم التأثيرات المحورية والامتدادات المستقبلية، وفي خضم هذا وذاك نحاول استكشاف بعض من الأبعاد المعرفية التي شكل تلاقيها وتقاطعها هيكل كيمياء جابر.
وليس الأمر يسيرا؛ لأن الأبعاد متقابلة، بقدر ما كانت شخصية جابر نفسه محلا لأقوال متضاربة حتى أنكر بعض مؤرخي الإسلام وجوده، فضلا عن نسبة مصنفاته الكثيرة إليه،
10
صفحة غير معروفة