ويحدثنا المؤلف عن بعض تقاليد بخارى قبل الإسلام، فيذكر مثلا أنه كانت تقام بها سوق لبيع الأصنام يقال لها «سوق ماخ» مرتين فى كل عام ولا تبقى قائمة فى كل مرة غير يوم واحد. ثم يحدثنا عن امرأة كانت تحكمهم استبدت بالملك دون ابنها الصغير «طغشادة» خمسة عشر عاما، وكان من عادتها أن تخرج كل يوم من الحصن راكبة جوادا ثم تتربع على تختها وبين يديها الغلمان والخصيان، وقد فرضت على أهل الرساتيق أن يبعثوا إليها كل يوم بمائتى شاب من الدهاقين والأمراء، يتمنطقون بمناطق الذهب ويتقلدون السيوف، فإذا ما خرجت الخاتون قاموا صفين فى خدمتها وهى تنظر فى شئون الملك تأمر وتنهى وتخلع على من تشاء وتعاقب من تشاء، وتظل كذلك من الفجر حتى الضحى، ثم تركب عائدة إلى الحصن، وتأمر بمد الخوانات للحشم والأتباع. فإذا ما أظل المساء خرجت ثانية وجلست على هذا النحو حتى الغروب، فتعود إلى حصنها ويعود هؤلاء إلى رساتيقهم ليحل غيرهم فى اليوم التالى مكانهم فى خدمتها.
وفى أيام هذه المرأة فتحت بخارى على يد عبد الله بن زياد من قبل معاوية، وقد دارت بينها وبينه حروب انتهت بالصلح على مال تؤديه، وكان ذلك فى آخر عام 53 ه وأول عام 54 ه (672 - 673 م).
ولكن بخارى مع ذلك لم تسلس القياد للفاتحين، إذ كانت ممعنة فى الوثنية تظهر الإسلام وتسر البقاء على وثنيتها. وبعد حروب طويلة قاسى فيها المسلمون أهوالا تمكن قتيبة بن مسلم بعد غزوه لها للمرة الرابعة من إقرار الإسلام وبناء المسجد الجامع بها عام 64 ه (712 م).
وكانت بخارى تتمتع بثراء طائل وتقوم بها صناعات وتجارة زاهرة، ويتجلى لنا هذا فى مغانم المسلمين منها عند الفتح وما كانوا يصالحون عليه أهلها من مال وخراج كان يؤدى فيما بعد على صورة منسوجات فاخرة تقدم لدار الخلافة. ويستخلص مما جاء فى دائرة المعارف الإسلامية «1» أن بخارى العاصمة مدينة كبيرة فى التركستان على المجرى الأدنى لنهر «زرافشان» وأن المدينة أنشئت قبل الإسلام بعدة قرون فى الموضع الذى توجد فيه بخارى الحالية.
وقد سمى الصينيون هذه المدينة منذ القرن الخامس الميلادى «نومى» وهو الاسم الذى يقابل الاسم القديم «نومجكات» «2» الذى كان معروفا أيضا فى العهد الإسلامى.
صفحة ٨