وجماعة من أصحابه المخلصين، وفر من نجا، وقتل في هذه الحادثة ثمانية عشر ألف رجل من البصريين - ويروى ثمانية وعشرون ألفا، فلما بلغ أهل البصرة خبر قتلاهم ارتجت المدينة، وكثرت فيها المآتم، حتى قيل: إن المآتم دامت نحو سنة.
ولما انتهت فتنة ابن المهلب أسند يزيد بن عبد الملك إمارة العراق وخراسان إلى أخيه مسلمة، فاستخلف هذا الأمير على البصرة عبد الرحمن بن سليمان الكلبي، وذلك في سنة 102ه، ثم عزل يزيد أخاه مسلمة في سنة 103ه، وأرسل بدله عمر بن هبيرة الفزاري، فاستخلف ابن هبيرة على البصرة موسى بن عبد الله. فلما مات يزيد وتولى أخوه هشام بن عبد الملك في سنة 105ه/724م أقر ابن هبيرة على العراق، ثم عزله في سنة 106ه، وولى مكانه خالد بن عبد الله القسري، فأرسل خالد عقبة بن عبد الأعلى أميرا على البصرة، حتى إذا كانت سنة 109ه عزله، ووجه إمارة البصرة إلى أبان بن صبارة اليثربي، ثم عزله في سنة 110ه، فولى مكانه بلال بن أبي بكرة - ويروى ابن أبي بردة - وضم إليه قضاء البصرة، وفي أول إمارته في سنة 110ه مات بالبصرة الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشاعر المشهور الفرزدق، وفي أيامه في سنة 116ه حدث بالبصرة طاعون دام أكثر من شهر، فمات به عدد كبير من البصريين، وفي أيامه أحصيت نفوس أهل البصرة بعد الطاعون فكانت ثلاثمائة ألف نسمة، ولما كانت سنة 120ه عزل هشام خالدا عن العراق، وولى مكانه يوسف بن عمرو الثقفي، فأرسل يوسف كثير بن عبد الله السلمي أميرا على البصرة. فمات هشام في سنة 125ه/743م، وتولى بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فقتل في سنة 126ه، وجلس مكانه يزيد بن الوليد بن عبد الملك، فولى إمارة العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز في السنة نفسها، فاستخلف على البصرة المسور بن عمرو بن عباد، وفي أيامه ظهرت الدعوة العباسية، ودخل البصرة سرا دعاة بني العباس، فنشروا دعوتهم، فاستجاب لهم كثير من البصريين خفية؛ لأنهم كانوا قد سئموا حكم الأمويين، فلما مات يزيد بعد ستة أشهر بويع لإبراهيم بن الوليد، فخلع نفسه وبايع مروان بن محمد في سنة 127ه/745م، وفي كل هذه المدة كانت الفتن متوالية في العراق؛ بل إن المملكة الإسلامية كانت بعد هشام بن عبد الملك كشعلة نار. (8-9) انقراض الدولة الأموية من البصرة
كان مروان بن محمد قد أقر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على إمارة العراق، فخرج عليه الضحاك بن قيس، فحدثت بينه وبين عبد الله ابن عبد العزيز عدة حروب، انتصر في أكثرها الضحاك، ثم حمل على البصرة وحاصرها ثمانية أيام حتى اضطر أميرها المسور إلى تسليمها، فسلمها إلى الضحاك بعد أن أعطاه الأمان، وذلك في سنة 128ه/745م، فبلغ ذلك مروان فعزل عبد الله بن عمر عن العراق، وأرسل بدله يزيد بن هبيرة، وسير معه جيشا كبيرا لقتال الضحاك وغيره من الخوارج، وبعد أن قمع يزيد من بالكوفة من الخوارج سار إلى البصرة وحارب من حولها من الخوارج إحدى عشر يوما، فاسترد البصرة وانهزم الضحاك، فدخل يزيد البصرة ظافرا، وضبط نواحيها، وولى عليها شبيب بن شيبة؛ فساد الأمن فيها، وذلك في سنة 129ه، وعلى إثر ذلك ثار في العراق سليمان بن هشام بن عبد الملك، وطلب الخلافة لنفسه، وانضم إليه عشرة آلاف من البصريين، وبايعوه بالخلافة، ثم سار بجموع لحرب مروان بالشام، فلاقاه مروان فانتصر عليه، وتمزقت جموع سليمان.
وفي أيام ابن هبيرة حدث بالبصرة في سنة 130ه طاعون، فمات به خلق كثير، وعلى ذلك تولى إمارة البصرة مسلم بن قتيبة الباهلي في سنة 131ه، وفي أيامه قوي أمر بني العباس، وظهرت دعوتهم، فكانت الضربة القاضية على بني أمية.
ولما انتشرت عساكر العباسيين حصن البصرة مسلم بن قتيبة، واستعد للدفاع، فأرسل عبد الله السفاح مؤسس الدولة العباسية جيشا كبيرا لأخذ البصرة بقيادة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب، ووجه إليه إمارة البصرة. فلما وصل سفيان طلب تسليم المدينة فأبى أميرها مسلم معتمدا على ما عنده من العدد والعدد؛ إذ كان في البصرة حينذاك جماعة من بني أمية وكثير من ولاة الأمويين الذين فروا من خراسان بعد تغلب قواد بني العباس عليها، وكان فيها أربعة آلاف مقاتل جاءت نجدة إليه عدا جيوش المدينة.
فلما رأى سفيان امتناع مسلم باشر الحرب، فاشتدت المعارك سبعة أيام متوالية، فانجلت عن انتصار جيوش بني العباس، فدخل سفيان البصرة منصورا، وعلى يده انقرضت دولة بني أمية من البصرة، وذلك في سنة 132ه، وقد قتل في هذه الحادثة عدد كثير من البصريين، ونكبت هذه المدينة نكبة عظيمة يوم سقوطها؛ إذ قام الرعاع فنهبوا وسلبوا وقتلوا؛ فنهبت أكثر الأسواق، وخربت دور كثيرة - قيل بلغ عددها سبعة آلاف دار - وأحصي من قتل في هذه الفتنة من أهل بصرة فكانوا أحد عشر ألفا.
ولما دخل القائد العباسي سفيان أعلن الأمان، وأمر مناديه، فاجتمع الناس في المسجد، فخطب فيهم لبني العباس، فبايع الناس للسفاح، ثم شرع في تنظيم شئون إمارته، ثم قبض على جماعة من بني أمية الذين كانوا في البصرة، فقتلهم وصلب جثثهم، وكتب بالفتح وبالخبر إلى الخليفة السفاح بالكوفة. (8-10) تتمة لما مر
كان الأمويون كثيري الاهتمام بشئون البصرة؛ لأهمية موقعها الجغرافي والتجاري والسياسي، ولكونها وسطا بين سورية والحجاز وفارس وبين النهرين؛ ولذلك اتخذوها في بعض الأحيان مقرا لإمارة العراق، ولما رأى الناس اعتناءهم الشديد بهذه المدينة تهافتوا إليها من كل الجهات حتى أصبحت في عهدهم من أعظم مدن الشرق، وصارت مهدا للعلوم والفنون والآداب، ومركزا للتجارة والصناعة، ومجتمعا لكبار الرجال من العلماء والفقهاء والفلاسفة والشعراء وغيرهم.
ومع وجود الفتن والاضطرابات أحيانا حول المدينة وأخرى في داخلها كانت عمارتها في أيامهم تزداد عاما فعاما، حتى قيل: بلغت مساحتها في أيام إمارة خالد بن عبد الله القسري 36 ميلا مربعا، عدا المغارس التي بها البساتين والأنهار، وبالغ بعضهم فقال: بلغت أنهارها التي تجري فيها الزوارق في أيام إمارة بلال بن أبي بردة مائة وعشرين ألفا.
وكان الولاة في عهدهم يتصرفون في الإمارة، ويجبون الأموال، وينفقون منها على الجند وفي ما تقتضيه الحالة، وعلى العمارة؛ من إصلاح الجسور وحفر الترع وغير ذلك، ثم يرسلون ما بقي إلى بيت المال في مركز الإمارة العامة «الكوفة»، أو إلى بيت المال في العاصمة «دمشق».
صفحة غير معروفة