239

============================================================

ذكر داود عليه السلام الاجتهاد ورحمة للمساكين وكان يخرج فيما بين الأيام متنكرا لا يعرف فيسأل القادمين من الأطراف كيف كان حال ملككم ونبيكم داود أخبروني عنه وهل تنكرون أو تعيبون منه شيئا فيقولون هو خير خلق الله تعالى لنفسه ولأمته فبعث الله تعالى ملكا في صورة رجل قادم من سفر فلقيه داود فسأله كما يسأل القادمين فقال الملك هو خير الناس لولا خصلة واحدة فيه قال داود: وما هي؟ قال: إنه يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين فعند ذلك سأل داود ربه آن يعلمه حرفة يعمل بها ويكون منها قوته وقوت عياله فعلمه الله تعالى صنعة الدرع من الحديد فذلك قوله تعالى: وألنا له الحديد أن اقمل سيت [سبا: الآيتان 10، 11] قال: قال وعندنا أن داود لم يعمل الدرع كسبا وطلبا للدنيا فإن الأنبياء لا يكسبون وإنما عملها معجزة فإن الله تعالى قد ألان له الحديد فكان في يده كالشمع في أيدي الناس يصنع منه ما يشاء من غير حاجة إلى نار ونفخ ومقمعة (وعلاة)(1) فيصنع الدرع التي لا يبين رأس حلقها فكانت معجزة له وأنه وإن كان يبيع شيئا منها ويستنفق منه على نفسه، فلا يجب آن يكون بفعل الكسب وطلب الرزق حاشاه عن ذلك وقيل كان داود يخرج في كل أسبوع يوما إلى الصحراء فيوضع له كرسي فيجلس عليه ويقرا الزبور ويجتمع له الإنس والجن والدواب من البهائم والوحوش والسباع والطيور والحيتان وكان إذا سبح أجابته الجبال ودواب البحر والبر كما قال الله تعالى: يكجال أربى معد والطير} [سبا: الآية 10] وكان قد قسم أيامه على أربعة أقسام يوما يجالس فيه العلماء ويدارسهم ويعلم الناس ويوما يحكم فيه بين الناس ويوما لمحرابه يخلو فيه لمناجاة ربه وعبادته ويوما يخلو فيه بنسائه وأهل بيته وقد روي أنه كان في حكمة داود لا ينبغي للعاقل أن يغفل عن آربعة ساعات في يومه ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يقضي فيها إلى اخوته فيخبرونه بعيوبه وساعة يختلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويحمل فيستعين بهذه الساعات على الساعات الثلاث وينبغي للعاقل أن لا يضعن في ثلاث تزود لمعاد ومرمة لمعاش أو لذة في غير محرم وروي أن داود قال: يا رب كيف أسعى لك بالنصيحة في أرضك؟ قال الله تعالى بأن تكثر ذكري وتحب من أحبني وتحكم للناس ما تحكم لنفسك وتجتنب فراش أخيك الغائب وكان الله تعالى قد قوى ملكه كما ذكر في كتابه وشددنا ملكث (ص: الآية 20] ذكر أهل الأخبار أته كان يحرس محرابه كل يوم وكل ليلة ثلاثون ألف رجل فذلك شدة ملكه ويقال كان شدة ملكه آن رجلا ادعى بين يديه على آخر بثور (1) علاة: الستدان التي يضرب عليها الحداد الحديد، وفي عطاء في مهبط آدم: هبط بالعلاة، وهو السندان ابن منظور- لسان العرب 877/2 (باب العلاة).

صفحة ٢٣٩