ثم اقبل جذيمة الأبرش فتكهن وعمل صنمين يقال لهما الضيزنان فاستهوى أحياء من أحياء العرب حتى صار بهم إلى ارض العراق وبها دار أياد بن نزار وكانت ديارهم بين ارض الجزيرة إلى ارض البصرة فحاربوه حتى إذا صار إلى ناحية يقال لها بقة على شط الفرات بالقرب من ألا نبار وكان يملك الناحية امرأة يقال لها الزباء وكانت شديدة الزهادة في الرجال فلما صار جذيمة إلى ارض ألا نبار واجتمع له من أجناده ما اجتمع قال لأصحابه أني قد عزمت على أن أرسل إلى الزباء فأتزوجها وأجمع ملكها إلى ملكي فقال غلام له يقال له قصير أن الزباء لو كانت ممن تنكح الرجال لسبقت إليها فكتب إليها إليه فكتب أليها فكتبت أليه أن اقبل إلي أزوجك نفسي فارتحل إليها فقال له قصير لم أر رجلا يزف إلى امرأة قبلك وهذه فرسك العصا قد صنعتها فاركبها وانج بنفسك فلم يفعل فلما دخل عليها كشفت عن فخذها فقالت ادأب عروس ترى قال دأب فاجرة بظراء غادرة فقطعته الزباء وركب قصير الفرس العصا ونجا
ولما قتل جذيمة ملك مكانه ابن أخته عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن مالك بن عمم بن نمارة بن لخم فقال قصير لعمرو لا تعصني أنت قال قل ما بدا لك قال اجدع انفي واقطع أذني وخلني ففعل ذلك فصار إلى الزباء وقال أني كنت من النصح لجذيمة على ما رأيت ولعمرو ابن أخته حتى ملكته فكان جزائي عنده أن فعل بي ما ترين فجئتك لأكون في خدمتك ولعل الله أن يجري قتل عمرو على يدك .
ولم يزل يحتال لها حتى وجهته في تجارة فأتاها بأموال كثيرة مرة بعد مرة فأعجبها ذلك فوثقت به فلما استحكمت ثقتها به صار إلى عمرو فقال اقعد الرجال في الصناديق فحمل أربعة آلاف رجل على ألفي جمل معهم السيوف ثم أدخلهم مدينتها وفيهم عمرو وفرق الصناديق في منازل أصحابها وادخل عدة منها دارها فلما كان الليل خرجوا وقتلوا الزباء وخلقا من أهل مملكتها وملك عمرو بن عدي خمسا وخمسين سنة .
ثم ملك امرؤ القيس بن عمرو خمسا وثلاثين سنة .
ثم ملك أخوه الحارث بن عمرو سبعا وثمانين سنة .
ثم ملك عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي أربعين سنة .
ثم ملك المنذر بن امرئ القيس وهو محرق وانما سمي محرقا لأنه اخذ قوما حاربوه فحرقهم فسمي لذلك محرقا .
ثم ملك النعمان وهو الذي بنى الخورنق فبينما هو جالس ينظر منه إلى ما بين يديه من الفرات وما عليه من النخل والأجنة والأشجار إذ ذكر الموت فقال : وما ينفع هذا مع نزول الموت وفراق الدنيا فتنسك واعتزل الملك وإياه عنى عدي بن زيد حيث يقول
صفحة ٢٠٩