187

قال له أصحابه يوما: إن كنت إنما تأخذ من نصاب الطعام عشرا أو نصف العشر فليس مجتمع من هذا شيئا أبدا. ويريدون أن يفرض شيئا آخر حتى يتقوى بيت المال وينفق منه على الفقراء والمساكين في الجهاد وغيره، فقال (ع): لا اجتمع من هذا شيء أبدا والله لو التقت هذه وهذه يريد السماء والأرض علي حتى تختلف اضلاعي ما أخذت غير الحق أبدا، وقد رأينا كيف رجع (ع) بجيشه من صنعاء ولم يأخذ شيئا وهو يدافع عنهم، عندما رفضوا أن يقرضوه.

يقول الشيخ أبو زهرة: «وقد عمل على نشر العدالة بكل شعبها، وعلى رأسه العدالة الاجتماعية، ولذلك نظم بيت المال، وجمع الزكوات والجزية، ووزعها بين أهلها، وأوجب صرف ربع مايجمع بين أهل القرية التي جمعت الزكاة منها، وسار في تنظيم بيت المال إلى أقصى مداه» (1).

وهكذا سخر الإمام الهادي (ع) حياته لبناء دولة الإسلام فكان عالما فاضلا، مجاهدا باسلا، عابدا زاهدا، حاكما عادلا، مقتفيا أثر الرسول (ص)، خطوة خطوة، حتى لقي ربه راضيا مرضيا عنه، وذلك في يوم الأحد 20 ذي الحجة سنة (298 ه )، وقبره (ع) في مسجده بصعدة مشهور مزور وفيه وفي الإمام الناصر يقول بعض الشعراء:

عرج على قبر بصعدة * وابك مرموسا بآمل

واعلم بأن المقتدي بهما * سيبلغ حيث يأمل

ونحن عندما نستطيع سيرة الإمام الهادي (ع)، ونعرف تلك اللوحة الناصعة التي سطر بها أفق التاريخ الإسلامي، تتجلى لنا العدالة والسياسة والروح الإسلامية التي انتهجها الإمام الهادي (ع) منذ وطئت قدمه أرض اليمن، والتي عبر عنها بقوله مخاطبا لهم:«والله لم يغب عنكم من رسول الله (ص) إلا شخصه إن شاء الله».

صفحة ١٨٨