الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة
الناشر
مكتبة مصطفى البابي الحلبي
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٣٨٨ هـ - ١٩٦٨ م
مكان النشر
مصر
الترغيب في اتباع الكتاب والسنة
١ - عن العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضى الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله
_________
= قلت إن صاحب (الراديو) الذي فتح باب الابرة لقراءة القرآن في المقاهى والنوادى ومحلات الفجور والفسوق آثم وآثم وآثم، وكذا القارئ الذى أباح أن يقرأ فتلتقط الإبرة ألفاظه بتموجات الهواء فيعاد لفظه، ويحكي صوته في أي مكان فيه آلة الواحى (الراديو) فلا يكون هناك استماع، ولا إنصات، ولا قصد، وأما إذا كان الواحى في مكان نظيف خال من المحارم والمكروهات، ووجد قوما يسمعون ترتيلا كاملا وقراءة تامة فحكى ألفاظ القارئ فأرى والله أعلم أنه لا إثم، وأظن أن أولئك هم الذين يعينهم النبى ﷺ بقوله في الحديث: (فرقة يعبدون الله ليستأكلوا به الناس) نسأل الله السلامة والعافية، قال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) والقرآن إنما جعل للعظة والتأمل وللتنيه والرجاء، فعلينا أيها المسلمون أن نطيع الله ونعمل صالحا لله؛ فالموظف يتقن عمله لله لا خوفًا من رئيسه، والصانع يتقن عمله لله ليؤجر في دنياه، وكذا التاجر يصدق ويقدم أجود البضائع ليربح ويثاب، وهكذا الناس يعملون بالقرآن والسنة، وهما يضيئان سبل الهدى فمن سار على منهجهما وصل وسلم قلبه من الرياء ورزقه الله السعادة والسيادة، وأحاط عمله بسياج الوقاية من الشيطان، وضاعف ثوابه، وأحاطه بالتوفيق، والله أعلم. والواحى ما هو إلا آله مثل الحاكى، والذنب على الانسان.
وأقدم لك أيها القارئ دليل قبول الأعمال من الكتاب قال تعالى:
١ - (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم كمثل جنة بروة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) آية ٢٦٥ من سورة البقرة.
أخبر الله تعالى عن حال المؤمنين الذين يجودون لله وطلب رضوان الله (وتثبيتًا من أنفسهم) أي تحقيقًا للثواب عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لانكارهم له، والمنافق قسمان: (١) عملي يقصد بصدقاته وصلاته وصومه غير وجه الله لكنه مسلم. (٢) وديني يظهر الإسلام ويخفى الكفر. قال تعالى عنه (ينفق ماله رئاء الناس) ومثله كحجر أملس عليه تراب فأصابه مطر شديد فتركه صلبًا أملس (فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا) والمؤمن كمثل جنة بمكان مرتفع أصابها وابل فضاعف الله ثمراتها، وأكثر خيراتها وبارك في أهلها، والمعنى تثمر وتزكو، كثر المطر أم قل فكذلك نفقات المؤمنين تزكو عند الله كثرت أم قلت.
٢ - والمثل الثاني للعمل المقبول ماطلبه سيدنا إبراهيم الخليل ﵇ من ربه (رب هب لى حكمًا وألحقنى بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلنى من ورثة جنة النعيم، واغفر لأبى إنه كانه من الضالين ولا تخزنى يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) ٨٢ - ٨٩ من سورة الشعراء أي قلب المؤمن السليم من الشرك والنفاق.
يقول الشيخ الصاوى في تفسيره. فحيث حسن باطنه بالإخلاص فقليل عمله ككثيره في رضا الله عنه. قال العارف بالله: وبعد الفنا فى الله كن كيف مانشا ... فعلمك لا جهل، وفعلك لا وزر أهـ.
٣ - لتسمح أيها القارئ أن تمعن في معنى عمل اسرة ابتغت وجه الله في فعلها باخلاص فقبل الله صنيعها ونجاها من الهول الأكبر، وأغدق عليها نعيمها - وهى اسرة الإمام علي بن أبى طالب - حكي المفسرون عنه أنه أجر نفسه ليلة ليسقى نخلا بشئ من شعير حتى أصبح وقبض الشعير، وطحنوا ثلثه، فجعلوا منه شيئًا ليأكلوه يقال له الحريرة، فلما تم نضجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم صنع الثلث الثانى، فلما تم نضجه أتى يتيم فأطعموه، ثم الثالث فلما تم نضجه أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك. قال الله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسًا قمطريرًا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا) ٨ - ١٢ من سورة الإنسان. =
1 / 77