تبوير العقول المصرية بمنع التعليم.
وإفقار الأمة بمنع الصناعة.
وتعميم الأمراض الدودية بالري الوفير لزرع القطن.
هذه هي الخطط الأساسية الثلاث التي سار عليها الإنجليز فيما بين 1882 و1919. وكانوا يدبرونها في عناية مع التبصر للمستقبل. فإنهم كانوا يمنعون تعليم البنات مثلا في 1900 كي لا تكون لنا عائلات متعلمة في 1910 أو 1920. وكانوا يمنعوننا من إيجاد مصنع للقطن مهما صغر؛ كي لا نستغني عن أقمشة لنكشير بعد عشر سنوات. وكانوا يعارضون في إنشاء جامعة كي لا تتفشى العلوم بيننا فتوقظ عقولنا ... إلخ.
وبهذا استطاع الإنجليز أن ينزلوا بنا إلى الحضيض جهلا وفقرا وعجزا. ومع أنهم هم السبب الأصلي للجهل والفقر والعجز فإنهم كانوا يحتجون علينا بهذه النكبات الثلاث عندما كنا نطلب الاستقلال. فكانوا في 1919 يذيعون في أنحاء العالم أن القارئين في مصر لا يزيدون على 2 أو 3 في المائة وسائر الشعب غارق في غياهب الجهل. وكان أحد مستشاريهم في 1919 أيضا يلوم علينا جهلنا وأنه ليس بين المصريين من يدري عمليات البورصة.
ومما زاد فداحة الاحتلال الإنجليزي لوطننا فيما بين 1882 و1919 أن تلك الفترة كانت فترة الاستعجال والترويج للانقلاب الصناعي التاريخي ليس في أوروبا وحدها بل في العالم كله. ونعني في العالم الذي لم ينكب بالاستعمار البريطاني. ولذلك كان تخلفنا عظيما جدا في نتائجه. حتى إن ثورة 1919 ثم ما تلاها من تطور اجتماعي أو اقتصادي تكاد تعد من المعجزات، أجل من المعجزات على الرغم من جميع العراقيل التي وضعها الإنجليز لمنع تطورنا.
ولو أن تطورنا سار سيرته الطبيعية من 1882 إلى الآن 1947 بلا تدخل أو احتلال الإنجليز، ولو أن الخديوي توفيق نزل على رأي مجلس النواب، لكانت مصر الآن في مقدمة الأمم المتمدنة. مائة في المائة من أبنائها يقرءون ويكتبون ويتعلمون في نحو عشرين جامعة ونحو خمسين ألف مدرسة ابتدائية وثانوية. ولكان أجر العامل فيها لا يقل عن جنيه في اليوم حيث كان يعمل في نحو خمسين ألف مصنع مصري. وكنا عندئذ نكون أمة قوية في زاوية البحر المتوسط لا تجرؤ بريطانيا على أن تنطق بكلمة في شأن قناة السويس.
وكنا نكون أمة متمدنة لنا ريف متمدن لا تخلو قرية من قرانا من نحو مصنعين أو ثلاثة مصانع تحيل المواد الخامة الريفية إلى مصنوعات عصرية.
كل هذا كان ممكنا لو أن أحدا لم يقف ضد مجلس النواب ويصر على أنه لا يجوز للنواب بحث الميزانية.
ولو أن الإنجليز لم يحتلوا مصر في 1882.
صفحة غير معروفة