ولكني مع ذلك، حين أتأمل أدب مي، أجده أدب الحلاوة والطرافة في الجملة الناعمة للمعنى الناعم. ولست أجد فيها أدب المذهب والمبدأ والكفاح. هذا الأدب الذي يضني الأديب ويتبعه ولكنه يحييه أي يحيي نفسه.
لم تكن مي تحيا بأدبها. لم تكن مكافحة.
ذلك أنه حين يكون الأديب مكافحا يبقى - مع تعبه وعرقه - مؤملا متفائلا يحيا عن قصد، ويرمي إلى هدف، ويتابع حركة التطور في يقظة واهتمام. وعندئذ يحس أنه حي وكأنه لن يموت. وهذا الإحساس يزيد نفسه سلامة كما يزيد جسمه صحة، بل يطيل عمره.
كانت مي تكتب أحيانا كما لو كانت هاوية فقط تتصيد المعنى الأنيق وتتخير الكلمة الحلوة، وتقنع بذلك.
ولو أنها قد دعت إلى حرية المرأة في مصر أو إلى المذهب الاشتراكي، لوجدت - في الكفاح لهذه الدعوة - ما يملأ نفسها وعقلها معا باهتمامات متجددة. بل كانت تجد من الحوار بين من كانت تسعد بهم وتفخر بإعجابهم أكثر مما كانت تسعد أو تفخر بأولئك الذين أعجبوا بجمال شبابها.
ولكن مي كانت معذورة في إحجامها عن الكفاح؛ إذ كانت تعرف أنها لو دعت إلى تحرير المرأة في مصر وكافحت لتحقيق ذلك، لوجدت نفورا عظيما لأنها لم تكن مصرية ولم تكن مسلمة. ثم كانت تعرف أنها لو دعت إلى الاشتراكية لانفض عنها أصدقاؤها الأثرياء كما كانت الحكومة تتعقبها بالاضطهاد وتطاردها حتى تخرجها من مصر.
إن أدب الكفاح - أي كفاح إنساني - يجعل المؤلف يحس أنه يحمل رسالة مقدسة لا يبالي إلى جنبها ما يقع من كوارث. ولكن مي آثرت - مضطرة - ممارسة أدب الصالون على أدب الكفاح. فلما انطفأ بعض المصابيح في الصالون لم تعرف ما تصنع، فاستسلمت للموت.
صفحة غير معروفة