لم يعرف أن أحدا كان أبوه حدادا فصار هو كاتبا، بل يرث كل طفل صناعة أبيه؛ فابن الفلاح يرث صناعة الفلاحة، وابن الصانع يرث الصناعة، وابن الكاتب يرث الكتابة، وابن الكاهن يرث علوم أبيه الكهنوتية، والجندي يرث صناعة أبيه الحرب ...
176
فهذا يدل على أن الناس في الأمة الإيرانية قبل الإسلام كانوا طبقات منظمة، وأن العلم كان له أربابه، وكذلك الكتابة والكهانة، وهي كلها صناعات ثقافية. وطبيعي جدا أن تؤثر هذه الصناعات الثقافية وأساليبها في العرب حين دخلوا بلاد فارس أو أن ينقلها الفرس إلى ديار الإسلام حين يعتنقون الإسلام. ومما هو جدير بالإشارة إليه أنه كان لدى طبقة الأشراف في فارس مربون يعلمون أبناءهم في قصورهم ولا يذهبون إلى المدارس الابتدائية كما يذهب أبناء طبقة الكتاب ، وكان هؤلاء المربون يعلمون أولئك الأطفال معلومات عامة في الدين والأدب والرياضة والفروسية والموسيقى. وتلي طبقة الأشراف هذه طبقة الكتاب التي يسعى أبناؤها إلى المدارس فيتعلمون الدين والآداب والفنون وآداب السلوك والأخلاق. ومما هو جدير بالذكر أيضا أنه على الرغم من وجود تلك الطبقات وتميز طبقة الأشراف بالمؤدبين، فإن أبناء الطبقات الأخرى جميعا كانوا متساوين في شيء واحد هو التعليم الديني الذي يتلقونه في المعابد، وكان ذلك التعليم الديني مزاجا من الديانة والتاريخ المقدس والتقويم والتراتيل الدينية. وقد كان لرجال المعابد طريقة تعليمية مفيدة يعلمون بها الأطفال وهي طريقة السؤال والجواب على النمط الآتي: أيها الطفل الإيراني، من تكون أنت؟
من أين جئت إلى هذا العالم وإلى أين تذهب؟
إلى أي الآلهة تنتسب، إلى أهورا أم أهرمن؟ إلى خالق الخير أم خالق البشر؟
ما الخير أيها الطفل؟ وما الشر أيها الطفل؟ ... إلخ.
وكانوا يعلمونه أجوبة هذه الأسئلة ويشرحونها له.
177
وبعد أن يتم الطفل علم هذه الأشياء ينصرف إلى صناعة أبيه، ولم يكن هؤلاء الأطفال يتعلمون القراءة والكتابة؛ لأن ذلك مخصوص بالطبقتين الرفيعتين اللتين سبق ذكرهما، وهما الأشراف والكتاب.
وأما الروم فهم قوم أصحاب حضارات عريقة، وإلى جانب حضارتي اليونان والرومان الوثنيتين ظهرت في بلادهم الحضارة المسيحية التي أخذت تشرق وتقوى لطابعها الرومي شيئا فشيئا، وتحاول القضاء على الوثنية اليونانية، وعلى الرغم من أنها قضت عليها إلا أنها قد تأثرت بآثار عميقة من التراث اليوناني والروماني. وقبل أن نعرض إلى ما جاءت به الديانة المسيحية من آداب التعليم والتربية، نريد أن نلم إلمامة قصيرة بما كان عند اليونان والرومان مما يتعلق بالأطفال وتعليمهم، ومن أمور الثقافة بصورة عامة؛ كانت أدوار التربية عند اليونان الإسبارطيين كما يلي: (1)
صفحة غير معروفة