[الجزء الأول]
طرائف المقال
السيد علي البروجردي ج 1
---طرائف المقال ¶ السيد علي البروجردي ج 1 ¶ ---
طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال
--- [ 3 ]
صفحة ١
طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال للعلامة الفقيه الرجالي الحاج السيد علي اصغر بن العلامة السيد محمد شفيع الجابلقي البروجردي المتوفى سنة 1313 هق مع مقدمة لسماحة العلامة الفقيه الرجالي أية الله العظمى المرعشي النجفي دام ظله الوارف الجزء الاول تحقيق: السيد مهدي الرجائي اشراف: السيد محمود المرعشي
--- [ 4 ]
صفحة ٣
الكتاب: طرائف المقال في معرفة طبقات الرواة الجزء الأول تأليف: العلامة السيد علي أصغر الجابلقي تحقيق: السيد مهدي الرجائي نشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة - قم المقدسة طبع: بهمن - قم تاريخ الطبع: 1410 ه ق العدد: 1000 الطبعة: الاولى
--- [ 5 ]
صفحة ٤
رسالة الظرائف في ترجمة صاحب الطرائف للعلامة الفقيه الرجالي آية الله العظمى السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي دام ظله الوارف
--- [ 7 ]
صفحة ٥
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله داحي المدحوات، وخالق الأرضين والسماوات، والصلاة والسلام على شرف عالم الوجود، وسيد كل موجود، مقدام السفراء الالهيين، وأشرف الانبياء والمرسلين، أبي القاسم محمد بن عبد الله فخر العالمين. وعلى آله الميامين آل طه وياسين، مشاكي الهدى في الحوالك والبهم، والنبارس المضيئة في الخافقين، سيما إبن عمه ووارث علمه، وقاضي ديونه، ووصيه وخليفته من بعده أبي الحسنين، ووالد الريحانتين، مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب روحي له الفداء. وبعد: لا يخفى أن من أهم العلوم الاسلامية هاهو علم الرجال، إذ هو المرجع في تشخيص الاحاديث وتمييز صحاحها عن ضعافها، فمن ثم ترى أن فطاحل الاسلام قد ركبوا نياق المشاق في التأليف والتصنيف، فلله درهم وعليه أجرهم بما جدوا وأجدوا، وترشحت من جياد أقلامهم عدة زبر، وأسفار تربوا على المآت والالوف. ونشكر المولى الكريم ببقاء أكثر هذه النسخ في خزائن الكتب ومخاذن العلوم، ومن الأسف على أنه قد نفدت مقدار منها باعتوار الحوادث والفتن، كرجال الشيخ أبي العباس الكوفي الشهير بابن عقدة وغيره.
--- [ 8 ]
صفحة ٧
وقسم من كتب الرجال قد ألف على طريق طبقات الرجال، ومن أحسن ما وقفت عليه في هذا المضمار هاهو كتاب " طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال " للعلامة الفقيه الأصولي الرجالي الاديب الآية الحجة الحاج السيد علي أصغر بن العلامة الآية الحاج السيد محمد شفيع الجابلقي قدس سرهما. ولعمري إنه خير ما ألف في الطبقات، قد سعى المؤلف جده واجتهد في ترتيبه وتنسيقه على خير نمط واسلوب، والنسخة الاصلية التي هي بخطه الشريف موجودة عندنا في المكتبة العامة الموقوفة بقم. وكنت كثير الولع والشوق في نشره إلى أن وفق الله اللطيف إبني المكرم، وثمرة فؤادي المعظم، حجة الاسلام الحاج السيد محمود الحسيني المرعشي النجفي دام مجده وفاق سعده، فأقام بكل نشاط في طبعه ونشره. وساعده الفاضل الجليل حجة الاسلام الحاج السيد مهدي الرجائي الاصفهاني دامت تأييداته في تصحيحه وتحقيقه حتى انتشر وجاء بحمد الله تعالى واجدا لما هو المرغوب في باب الطبع والانتشار. ثم ألح الي ولدي البار المذكور تأليف رسالة في ترجمة هذا الشريف الجليل، وحيث لم أجد بدا من إسعاف مأموله مع ما بي من إعتوار الأسقام المؤلمة والآلام الروحية، فشرعت في تأليف وجيزة سميتها: ب " الظرائف في ترجمة صاحب الطرائف " فنقول مستعينا بكرم المولى: اسمه ونسبه هو العلامة الحاج السيد علي أصغر بن العلامة الحاج السيد محمد شفيع بن الحاج السيد علي أكبر بن السيد محمد بديع الموسوي الجابلقي البروجردي الذي ينتهي نسبه إلى المير نظام الدين أحمد المدفون في بقعة امام زادة قاسم في نواحي بلدة
--- [ 9 ]
صفحة ٨
بروجرد المنتهي نسبه إلى الامام أبي ابراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام. أما أبوه هو العلامة الجامع للعلوم العقلية والنقلية الحاج السيد محمد شفيع الجابلقي، وهو كان من أفذاذ العلماء، وحيث أن ولده العلامة المؤلف ذكر ترجمة حال والده مبسوطا، فنقلنا ألفاظها بعينها، حفظا لرعاية الامانة في النقل، حيث قال في الطبقة الاولى من الكتاب ما لفظه: السيد السند والركن المعتمد السيد محمد شفيع بن الحاج سيد علي أكبر الجابلقي أبو الآبلقي مولدا والبروجردي مسكنا، هو الوالد العلامة الاستاد، وقد بلغ جمع كثير إلى مرتبة الإجتهاد في مجلسه. وقال أيضا في الباب العاشر من الطرائف في ذكر طائفة من الرجال والمشايخ ما لفظه: الوالد الاستاد العلامة محمد شفيع بن الحاج السيد علي أكبر بن السيد محمد بديع الجابلقي مولدا البروجردي مسكنا وموطنا. قال بعض من معاصريه في اجازته له: انه السيد الحسيب النسيب الجليل والفاضل الأديب الأريب النبيل ذي النسب الطاهر والحسب الفاخر، جامع الكلمات الانسية، صاحب النفس القدسية، العالم العامل المقتدر لاستنباط الاحكام الشرعية بجده البليغ المترقى من التقليد إلى أوج الاجتهاد بسعيه الأنيق، الأخ الروحاني مولانا محمد شفيع الجابلقي مولدا والبروجردي مسكنا، لا زال موفقا مؤيدا مرتقيا معارج الكمال والافضال، فأجزته أدام توفيقاته وتأييداته وأسبغ الله عليه نعمه. سمعت منه مشافهة أنه كان في بدو تحصيله وتعلمه عند معلمي الأطفال في الجابلق، إلى أن وصل إلى العلوم العربية الادبية، فراح إلى العراق في قرية كره رود، فتلمذ عند المقدس الأديب الأريب الثقة الحاج ملا عبد الحميد من طائفة القضاة.
--- [ 10 ]
صفحة ٩
ثم بعد أن فرغ من تحصيل العلوم الأدبية في برهة من الزمان، ذهب إلى بلدة كاشان واصفهان، واشتغل بتحصيل علمي الأصول والفقه وتكميل السطوح والمتون من العلمين، فقرأ على الفاضل النراقي كتابي المفتاح والمناهج له في قلائل من الزمان. ثم قرأ في اصفهان على العالم العامل الكامل المحقق المدقق الجامع بين المعقول والمنقول علامة زمانه الفائق على أقرانه الظريف الطريف الحاج محمد جعفر الآباده اي الفارسي أصلا الاصفهاني موقفا الروضة البهية والمعالم والقوانين. وعلى استاده الفاضل الفقيه النبيه آقا محمد علي بن آقا محمد باقر المازندراني كتاب معالم الاصول من مبحث الأمر إلى وسط مباحث التخصيص، وبعض مباحث الروضة البهية من العبادات. وعلى الحاج ملا نور علي المازندراني بعض المسائل الاصولية في برهة من الزمان. وببالي أنه قال: قبل مسافرته إلى العتبات العاليات كان في البروجرد أياما قلائل مشتغلا بمطالعة كتاب القوانين من أول الليل الى الطلوع في المدرسة التي هي الآن موجودة، وهي واقعة في محلة صوفيان. سمعت منه أنه قال: لما اعتضل علي المطالب المندرجة في الكتاب فلم تنحل، فوضعت رأسي على الجدار وبكيت حتى يسهل لي الخطب في حل مشكلاته. فلما كمل له فهم السطوح من كل علم سيما الاصول والفقه، سيما كتاب القوانين من الاصول. فانه طاب ثراه كان فهم عباراته وحل مشكلاته ومغلقاته، حافظا لغالب عباراته، لم أر أحدا مثله في حل عقده وانفتاح قفله، مع أنه أشكل وأعضل من كل الكتب الاصولية التي هي الآن في أيدينا من الأوائل والأواخر، ولذا يعترضون عليه كثيرا من الاعتراضات الغير الواردة، لقصور المعترضين عن فهم معانيه وادراك بطونه. ثم راح إلى العتبات وقبل وصوله وتشرفه الى كربلاء مكث في كرمانشاه قليلا من الزمان، وقرأ على العالم الكامل المحقق المدقق الالمعي الأوزعي الحاج ملا عباس
--- [ 11 ]
صفحة ١٠
علي الكزازي قليلا من المعالم والرياض. فذهب إلى كربلاء، فقرأ علمي الاصول والفقه على جمع من أساتيده، أقدمهم الامام الهمام المولى التمام النحرير الذاخر والسحاب الماطر الفائق على الأوائل والأواخر، صاحب التحقيقات الرشيقة في مصنفاته الجيدة السيد السند والركن المعتمد، ملاذ الانام ومرجع الخاص والعام السيد محمد بن السيد علي الطباطبائي. ثم أخوه السيد النجيب والعالم الحسيب أعجوبة الزمان وفريدة الدوران أزهد أهل العصر المحقق المدقق السيد مهدي بن سيد الأساتيد. ثم على استاده الشريف السالك في مسالك التحقيق، والعارج في مدارج التدقيق، مقنن الاصولية، مشيد المباني الفروعية، مفتاح أبواب العلوم الشرعية، مربي العلماء الامامية، مدرس الفنون العلمية، مؤسس القواعد المتينة، مبتكر الضوابط الكلية الذي كل من تأخر عنه فقد أخذ من لآلي أصدافه الرقيقة، مولانا الأعظم الآخوند ملا محمد شريف بن الملا حسن علي المازندراني أصلا، والحائري مسكنا ومدفنا، بل قيل: ومولدا. وكان غالب قراءة الوالد في الاصول عليه. وقد تلمذ عنده جميع مدة تحصيله في الحائر، وكان خصيصا به، وهو أول من أجاز له من تلاميذه ومتعلميه. قال الوالد: لما حضرت درسه كنت عاريا وحشيا غير قادر على جمع مطالبه، فلم أتفقه منه إلا المفردات من الكلمات، لم أتمكن من تحرير درسه الى شهر أو أزيد بقليل، فصار ذلك ثقيلا على الفؤاد، كنت متأوها متأسفا مهموما مغموما. فتوسلت الى البقعة الشريفة الحسينية عليه السلام فزرت وطفت الضريح المقدس، وبعد الزيارة والطواف شرعت في الدعاء، واستدعاء انكشاف العلوم الغامضة، فبكيت كثيرا الى أن ضاق علي الحوصلة ورق قلبي رقة شديدة، فودعت. وصرت الى المدرسة في حجرتي، فنمت بعد المطالعة في حالة الهم والغم، فرأيت في المنام سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله أنه يتوضأ، فتشرفت إلى خدمته
--- [ 12 ]
صفحة ١١
فسلمت فأجاب لي، فقمت عنده خاضعا خاشعا، فعرضت على طريق الالحاح والالتجاء وقلت: أنا سيد، فأجابني بأن السيد كثير أظهر حاجتك ومطلبك. فقلت: يا مولاي أطلب منك العلم، فأمرني بالتوسل إلى القبة الشريفة، وأشار بيده المباركة إليها، يعني إلى قبة سيد الشهداء عليه السلام فانتبهت وأيقظت، فلما حضرت الدرس. فلم أزل يوما فيوما يزيدني الفهم والدقة الى ستة أشهر، حتى من لم يعرفني من داخل حوزه بالمدرس الاستاد الشريف في أول الوحلة لم يفرقني من الاستاد ويشتبه عليه الأمر، فأجازني إلا أني بعد صدور الاجازة مكثت عنده ثلاث سنين أو أقل بنصف. وقرأت عليه غالب المسائل الاصولية من الخارج، وكنت أكتب تقريراته إلا أنه لم يكن لي ما يحتاج من مؤونة المخارج في تلك المدة. وكان أمر المعيشة هناك في كمال الضيق، ومع ذلك لم يتغير حالي في الشوق الى الدرس والمباحثة، بل يزيد الشوق على شوقي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ثم انه قرأ على أحد تلامذة أستاده الذي يقرأ عليه درسا أيضا سوى درس الاستاد علم الرجال في خلال تلك المدة، وهو السيد الجليل النبيل السيد صفر علي رحمه الله. ثم ارتحل إلى الوطن بالتماس والده، فسكن في البروجرد وصار مدرسا معروفا في الآفاق مشهورا في العراق، وقد ربى جما خطيرا من الطلاب والمحصلين من أهل كل قرية ومدينة قريبة وغريبة. إلى أن صارت البلدة بوجوده المبارك منارا في البلاد ومرجعا للعباد، فلم يزل في كل سنة كانت حوزة درسه مملوة من العلماء والفضلاء. فصعد كثير منهم الى أوج الاجتهاد، فبلغ عدد الكاملين منهم الى أكثر من مائة، عدا من لم يبلغ منهم هذه الدرجة العلية، فانهم غير محصورين منتشرين في القرى والمدائن.
--- [ 13 ]
صفحة ١٢
ويسلك على هذا المنوال في نيف وأربعين سنة، ويرجع إليه الناس في الفتاوى والامور الحسبية والترافع، ألا أنه نور الله مضجعه لم يبرز منه التصنيف الكامل والتأليف الشامل إلا قليلا في الاصول، وهو القواعد الشريفة المؤلفة أيام تحصيله في كربلاء، وهو مقصور على تقريرات أستاده الشريف. ولم يوفق بعد للرجوع الثانوي للحك والاصلاح، ومن ذلك وقع فيه بعض الكلمات الموهونة، فوا أسفا عليه حيث لم يبرز حال استقامته بالتدريس مصنف في الاصول، سيما في أواخر عمره الشريف، فانه قد أسس أساسا بديعا لم يسبق إليه أحد من السلف. وبحمد الله وحسن توفيقهه قد أخذت من لآلي هذا الصدف في مدة وجعلتها في مصنفي الجامع للمقاصد، فالناظر له بعين الانصاف يظهر له صدق ما ذكرناه. وكتابا في الفقه مسمى بمناهج الاحكام في مسائل الحلال والحرام، وهو كتاب حسن جامع للفروع والأدلة وتعارضها وبيان أحوال الرجال المختلف فيهم، برز منه نصف الطهارة وقليل من الصلاة وتمام الصوم وقليل من الزكاة والخمس والقضاء وغيرها من الكتب. وله أيضا تعليقة على تجارة الروضة البهية، ورسالة فارسية في الصلاة تسمى بمرشد العوام، وحواش فارسية على مناسك الحج للسيد المرحوم حجة الاسلام. وقد كتب في آخر عمره الشريف في الاجازة لولده الأكبر ولنفسي الخاطي الروضة البهية في الطرق الشفيعية. توفى رحمه الله ليلة الاربعاء من الثامن عشر من الشهر الثاني من السنة الثامنة من المائة الثالثة من الألف الثاني من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف تحية وسلام في البروجرد، ونقل الى الغري ودفن في وادي السلام في موضع قريب بمقبرة هود وصالح. وقد أنشد الشيخ الفاضل الأديب الأريب الجامع للكمالات الشيخ محمد تقي التستري المتخلص بالغيبي لمادة تاريخ وفاته بالفارسي بثلاثة أشعار وهي هذه:
--- [ 14 ]
صفحة ١٣
جه زد سيد شفيع از اين * جهان سوي جنان خر كه ز فيض عام خود أكليل فضل * أفراشت تا برهمه ء همه كرد بيان ازبهراو واحسرتا كويان * بناليدند ازدل در عزاي اوكه بيكه براي ضبط تاريخ وفاتش ازدم غيبي * بكوش من ندا آمد فمنهم من قضى وقد رثاه بعض أجلة تلاميذه بالابيات العربية، واندرج التاريخ في آخرها فقال: تاريخ انخساف ذلك القمر * قل سيد مقدس مستبشر وغفر وهيأ له غرف * جزاء الأعمال التي بها اقترف قد رضي عنه الهه كذا * مطابق في العدد لما مضى فوز عظيم من الهه له * في العدد وافق أيضا معه كذاك عن تاريخه ان سئلا * بالجنة جنابه قد أدخلا نظمه العبد الأقل الأحقر * راجي إلى الله العلي الأكبر أخوه وكان للمترجم أخ عالم فاضل مدرس ذكره المؤلف في كتابه هذا قال في الطبقة الاولى من الكتاب: السيد الجليل النبيل السيد علي أكبر الشهير بآقا كوجك. كان من أحب الأولاد وأكبرهم للوالد الاستاد، وكان مجتهدا مدرسا في حياة الوالد وبعد وفاته، إلا أنه طاب ثراه أدركه الموت بعد أبيه بفاصلة سنة. فوا أسفا عليه وقد أحرق قلبي افتقاده رحمه الله. مشايخه في الدراية والرواية تلمذ وروى عن جم غفير من أساطين العلم وهم:
--- [ 15 ]
صفحة ١٤
1 - والده العلامة السيد محمد شفيع المذكور. 2 - السيد أبو القاسم التستري، قرأ عند كتاب المغني. قال المترجم: السيد السند والركن المعتمد الفاضل الكامل الأمير أبو القاسم التستري، وهو طاب ثراه كان ماهرا في فن النجوم، لم ير مثله في زمانه، شديد التصلب في الدين، منزويا في زاوية العزلة، قليل البضاعة شاكرا لنعمائه، وهو مصداق قول الشاعر " كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ". إلا أنه نور الله مرقده كان له رمد العين يمنعه من الاشتغال بالمطالعة والتدريس، حتى أني حين تلمذي في خدمته كنت مع أخي المرحوم تلونا عبارة الكتاب ثم يترجمها، بل ربما نبتدي بقراءة العبارة فيتلو باقيها بكمال مهارته في النحو، سيما في عبارات كتاب المغني. وكنا حين اشتغالنا بالتدرس عنده نكتب ترجمة الاشعار الموجودة فيه، فقرأنا من باب المفردات أكثرها، وكتبنا ترجمة أشعار ما قرأناه بالفارسية، نظير شواهد السيوطي. 3 - الميرزا عبد المحمد الكرمانشاهي، قرأ عنده علم البيان. قال المؤلف: العالم الجليل والفقيه النبيل المولى الأجل اللوذعي الذي هو بين أمثاله وأقرانه كالقمر المضئ الميرزا عبد المحمد الكرمانشاهي دام علاه. وهو أدام الله أيام إفادته عالم فاضل من أحد تلامذة المولى الوالد الاستاد العلامة، وكان منزلته لديه أعلى من منازل سائر الطلاب، وكان يعظمه ويكرمه ويشفق عليه كمال الشفقة. وقد ذهب به في أوائل اشتغاله بالتحصيل عنده إلى زيارة المشهد المقدس الرضوي مع جماعة اخرى من تلامذته، وكنت ذلك اليوم مشتغلا بقراءة السيوطي من النحو والحاشية من المنطق عند خال والدتي رحمه الله. وبالجملة فلم يتعمم أوان تحصيله في البروجرد، بل كان مكلى في مجلس الدرس، فمن لم يعرفه ربما يخيل كونه عاميا ويشتبه عليه ما لم يشتغل بالتكلم والمناظرة
--- [ 16 ]
صفحة ١٥
والمباحثة. إلى أن فرغ من التحصيل وأجازه الوالد نور الله ضريحه، فتعمم في اليوم الذي سافر الى وطنه، وهذا الشيخ كان عالما بالاصولين والهندسة والهيئة والرياضي والنجوم، حسن الخط ظريفا أديبا. وبالجملة فقرأنا عنده المختصر الى علم البديع. 4 - خال والدته، ولم يذكر اسمه، قرأ عنده السيوطي والحاشية كما تقدم. 5 - أخوه السيد علي أكبر الجابلقي، قرأ عنده معالم الاصول. قال المؤلف: ثم اشتغلنا في قراءة المعالم عند جمع منهم الأخ الأجل الأفخم الأعلم الحاج السيد النبيل علي أكبر المدعو ب " الآقا كوجك " أعلى الله مقامه. 6 - العلامة الاستاذ الشيخ مرتضى الانصاري، قال المؤلف: شيخنا العلامة لم يوجد له مثل ونظير في العلم والتحبير صاحب التأليف والتحرير، وقد تشرفت في خدمته في الغري فوجدته بحرا عميقا. 7 - العلامة الشيخ راضي بن الشيخ محمد ابن بنت الشيخ جعفر النجفي المعروف. قال المؤلف: كان فقيها عالما له تسلط تام في تفريع الفروع على الاصول، لم أر مثله في زمانه، وقد استجزت منه فأجازني غفر الله له. 8 - العلامة الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء. قال المؤلف: كان فقيها صرفا مجتهدا كاملا ثقة مرجعا للعرب وكثير من العجم تشرفت في خدمته سنة ثلاث وثمانين بعد المائتين والألف. 9 - العلامة الآخوند ملا حسن التويسركاني، قال المؤلف: الفاضل الاستاد الآخوند ملا حسن التويسركاني أصلا البروجردي مسكنا، قد كان ممن تلمذ عند الوالد، وهو جليل القدر والعلم ودقة النظر مجتهد، أورع أهل زمانه، وله ابن مثله. 10 - العلامة الحاج ميرزا محمود بن السيد الجليل السيد علي نقي بن السيد جواد الطباطبائي، صاحب المواهب، قال المؤلف: هو الرئيس والمرجع في البروجرد، فقيه مجتهد، مسلط على الظلمة الفجرة، ويجري الحدود والتعزيرات، له التأليف
--- [ 17 ]
صفحة ١٦
والتدريس، قرأت في خدمته بعض السطوح دام علاه. 11 - العلامة الحاج ملا أسد الله بن الحاج عبد الله. قال المؤلف: كان عالما جليلا مجتهدا وبحرا زاخرا في الفقه، فزت درسه في قلائل من الزمان، فلم أجده نافعا لتشتت الكلام وفقد التنسيق في المرام طاب ثراه. 12 - العلامة الآخوند ملا محمد الفاضل الايرواني. قال المؤلف: عالم عامل جليل مجتهد مدقق مدرس في الأرض الغري، أدركت خدمته حين المسافرة الى المكة المعظمة، فوجدته أهلا للفتوى والقضاوة. هذا ما وقفت عليه من مشايخه ومن روى عنهم، وقد أجاز المؤلف لكل من له أهلية الاجازة. قال في الخاتمة: هذا وقد أجزت لجميع طلبة العلم أن يروي عني جميع ما صنفه العامة والخاصة بأسانيدي المسطورة المشار إليها هنا وفي الاجازات، ولكن اشترطت عليهم بما شرط علي مشايخي من الشرائط المعتبرة عند أهل الدراية والرواية إلى آخره. فائدة في ترجمة المؤلف قال المؤلف في ترجمة نفسه في الكتاب ما لفظه: لما بلغ السن الاثنى عشر قد اندرجت نفسي الخاطئة في زمرة الاطفال المتعلمة عند المعلم في رستاق جابلق مع أخي الصبي الأكبر مني بقليل، فقرأت القرآن. ثم اشتغلت بالكتب الفارسية عند معلم آخر في مدينة بروجرد، وبتعليم الخط في هذا الخلال. ثم شرعت في العربية وقرأت الامثلة وشرحها في برهة من الزمان، إلى أن وصلت الى قراءة الصمدية والألفية وأمثالهما من كتب النحو، فقرأت طائفة منها عند الاستاد الماهر الجرفادقاني.
--- [ 18 ]
صفحة ١٧
ثم ذكر قراءته المغني عند السيد التستري المتقدم، وعلم البيان عند الكرمانشاهي المتقدم أيضا والمعالم عند أخيه. ثم قال: ثم شرعت في قراءة زبدة الاصول مع شرح اللمعة، وبعدهما شرعت في قراءة الرياض. وسافر الوالد الاستاد في سنة ثلاث وستين بعد المائتين والألف الى زيارة قبر مولانا سيد الشهداء عليه السلام. فبعد مراجعته من العتبات العاليات دخلت في مجلس درس الوالد الاستاد في قراءة حجية الأخبار مع جمع كثير من تلامذته المستعدين المدعين لمرتبة الاجتهاد، فكنت من أول تحصيلي الاصول إلى أن توفي، وكلما قرأت مسألة من المسائل الاصولية حررتها بعين ما قرره. وفي خلال هذه الأحوال اشتغلت بالتدريس والمباحثة من أول طلوع الشمس الى ساعة أو أكثر بعده، وبعد الفراغ منه أحضر مجلس الوالد إلى الظهر. فعدت الى داري وكنت مشتغلا بالمطالعة وتحرير الدرس بعد رفع الكسالة بالنوم وأداء الصلاة، حتى بقيت من النهار ساعتان، وفيهما كنت مشغولا بتقرير درس الوالد الاستاد لجمع من متعلميه: إما في منزلي أو في المدرسة، وكان هذا دأبي وطريقتي في سنين عديدة. إلى أن وفقني الله، فخرجت من حضيض التقليد الى الاستنباط، وتحصيل الفروع على وجه الاستدلال، ومع ذلك لم أزل فائزا بتحصيل علمي الفقه والاصول عنده في أيام التحصيل إلى أن مات. وفي أيام التعطيل كيوم الأربعاء والخميس وأشهر الصيام مشغولا بالدراية والرجال، إلا أن كثيرا من الأوقات في خلال سنين التحصيل كنت مبتلى بابتلاءات خطيرة والعطال، سيما بعد التأهل وحصول نعمة الأولاد والأطفال. فتوفى الوالد فازداد لي الاشغال من الابتلاء بالقروض الكثيرة وأذى ذوي الاذناب وحسدة الأقارب، وبغض أهل النفاق والشقاق الى زمان تأليف هذا الكتاب. فأشكر الله على جزيل أنعامه، أرجو منه الثواب ودفع العقاب، وانما أشكو بثي وحزني الى رب الأرباب، وانتظر الانتقام من الملك الوهاب.
--- [ 19 ]
صفحة ١٨
ولكني مع هذه الحال كنت أحب الارتسام في سلسلة الطلاب، والدخول في حوزة العلماء الاطباب، فاشتغلت بتأليف المسائل من الفقه والاصول، فخرج من مؤلفاتي كراريس في الفقه والاصول والرجال وغيرها، ثم ذكر تآليفه القيمة. فائدة اخرى قال مؤلف الكتاب في ترجمة نفسه: وكان الوالد الاستاد مواظبا في التربية، ولم يقتصر على تربية الغير من بدو التحصيل الى نهايته، مع علو درجته عن تربية أمثالي وأقراني، سيما في أوائل التحصيل. بل لا زال يدرسنا أو يذاكرنا، ويسأل عن الدرس في الليل أو النهار، مع استغراق أوقاته في التدريس والامور الحسبية، ورفع الخصومة بين البرية والابتلاء بالضيعة والسؤال والجواب مع الظلمة وحسدة البلد، كما هو كذلك في كل مصر وعصر. وفاته ومدفنه لم أعثر على تاريخ ولادته ولم يتعرض المؤلف لذكره وأما وفاته، فقد ذكر أرباب التراجم أنه توفى سنة ألف وثلاثمائة وثلاث عشر هجرية. ودفن ببلدة قم في الصحن القديم المشهور بالصحن الصغير لسيدتنا فاطمة المعصومة سلام الله عليها في أيوان حجرة واقعة على يسار الخارج من الباب الجديد المفتوح من الصحن الصغير إلى الكبير وعلى قبره حجر من المرمر مكتوب عليه اسمه ووفاته. * * * *
--- [ 20 ]
صفحة ١٩
تآليفه القيمة الهامة 1 - شواهد المغني، ألفه في أوان تحصيله. 2 - شرح زبدة الاصول، ألفه حين دراسته للكتاب. 3 - كراريس في الفقه من مناسك الحج والصلاة. 4 - رسالة في حجية الظن والاستصحاب. 5 - الجامع للمقاصد في أصول الأصحاب. قال: برز منه الأدلة العقلية من أول مسألة حسن القبح الى آخر الفياس والاستصحاب، وقد جمعنا في مسألة البراءة من ذلك الكتاب. وكذا في مسألة الاستصحاب طائفة من القواعد المهمة، كالعسر والحرج والضرر، وقاعدة القرعة والشك بعد الفراغ وقاعدة اليد وتعارضها مع قاعدة السلطنة على الأموال، إلى غير ذلك من القواعد المعتمدة عند أهل الصناعة. وكذا برز منه المبادي اللغوية والمفاهيم، ومسألة العام والخاص وحجية الأخبار، قد بسطنا الكلام في الكل، وقد بينا فيها فساد ما ذهب إليه الاخبارية والقائلون بحجية الظنون الخاصة من الادلة الخاصة، والقائلون بانفتاح باب العلم بحذافيره. 6 - لب الاصول، قال: ولم يتم. 7 - طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، ألفه في مدة سنة، وفرغ منه ليلة العشرين من شهر صفر المظفر سنة ألف وثلاثمائة وأربع هجرية. مصادر تأليف هذه الوجيزة كتاب طرائف المقال لنفس المؤلف، وأكثر ما في هذه العجالة إقتبسناه من هذا الكتاب.
--- [ 21 ]
صفحة ٢٠
وكتاب أعيان الشيعة للعلامة آية الله السيد محسن الحسيني الأمين العاملي من مشايخنا في الرواية. وكتاب الذريعة. وكتاب مصفى المقال. وكتاب نقباء البشر للعلامة الطهراني. * * * هذا ما أمليته، وكتبه نجلي الأرشد حجة الاسلام الحاج السيد محمود الحسيني المرعشي النجفي احسن الله حاله، ولكنه من الأسف عدم تمكني من التتبع التام، لاعتوار الامراض الجسمانية، والآلام الروحانية المعتورة على هذا الجسم النحيف والبدن المتهالك، عافاني الله المولى الكريم وجميع المسلمين. وأنا العبد الكئيب شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي كان الله له في كل حال، وحصل الفراغ في عشية ليلة الخميس لثمان بقين من اولي الجماديين سنة 1410 ه ق ببلدة قم المشرفة حرم أهل البيت وعش آل محمد صلى الله عليه وآله. * * *
--- [ 23 ]
صفحة ٢١
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم لا يسعني في هذه العجالة التحدث عن أهمية معرفة طبقات الرواة على حسب تسلسل قرونهم وأجيالهم، ولهذه المعرفة أهمية تامة في كيفية الاستنباط في الفقه. وذلك أنا نرى في جملة من الاسانيد في بادي النظر رواة يبعد روايتهم عن الآخر بحسب الطبقة، وعلى هذا نحكم بسقط في السند، فيسقط الاستدلال بالخبر لاجله. وبعد المراجعة الى كتب الطبقات نرى أن الرجل مع بعده عن الطبقة بحسب الظاهر أنه أدرك سابقه ولاحقه، فيقوى عند ذلك روايته عنه. ولمعرفة الطبقات فوائد اخرى، منها معرفة صاحب كل امام عليه السلام وتميزهم عن الآخرين. ويقوم بأعباء هذه الأهمية الكتب التي ألفت حول هذا الموضوع القيم. وقد قام رجال منذ العصور السالفة من لدن عصر الأئمة عليهم السلام والغيبة الصغرى إلى العصر الحاضر بترتيب طبقات الرواة والعلماء وتسلسلهم على حسب قرونهم وأعصارهم، وذلك لكفاية هذه المهمة. ومن الأسف جدا على أنا لم نعثر على كتب الطبقات التي الفت في القرون السالفة، وضاعت فيما ضاعت من ألوف كتب الشيعة ولعبت بها أبناء الزمان.
--- [ 24 ]
صفحة ٢٣