باب الدين وإظهار أحكام الله تعالى فلم تعتبر.
وأما صاحب الهوى فلا عبرة بخلافه في نفس ما نسب إلى الهوى لأنه لا ينسب إلى الهوى إلا إذا خالف فيما يجب الفتوى به بدليل يوجب العلم يقينًا، فيصير خلافه ذلك الدليل برأيه ساقطًا كخلافه نصًا يروى له فيصير هوى.
وأما في غير ذلك من الأحكام فإن ظهرت منه مجانة في نحلته بخلاف الحجج تعصبًا لمذهبه بلا دليل أو قلة التأمل لا عن تأويل لشبهته لم يعتبر خلافه، كما لم تقبل شهادته.
وكذلك إذا غلا في هواه حتى كفر لأن المعتبر إجماع المسلمين ولهذا لم نبال بخلاف الروافض إيانا في إمامة أبي بكر الصديق ﵁.
وبخلاف الخوارج إيانا في إمام علي ﵁ لفساد تأويلهم وإن لم نكفرهم للشبهة.
وإنما قلنا: إن السكوت الذي هو حجة مرة يثبت بالسكوت بعد عرض الفتوى عليهم، وهو ظاهر ومرة يثبت بعدم الخلاف مع اشتهار الفتوى لأن الفتوى من البعض إذا اشتهر في العامة لم يجز الخفاء على الأقران في العادة فيصير الاشتهار كالعرض عليه.
ثم الرد يجب على السامع إذا كان الحق عنده بخلاف ذلك على سبيل الاشتهار كالأول ليصير معارضًا إياه أينما ثبت الأول، كالآية إذا نسخت لزم الرسول أن يبلغ الناسخ أينما بلغ الأول، وإذا لزمه رد شائع مثل الأول لم يجز ظهور أحدهما دون الآخر، وهذا كما قيل: إن القرآن معجزة لعجز العرب عن المعارضة وهذا العجز لا يمكن إثباته إلا من طريق عدم الظهور فكان حجة، لأنه ممتنع في العادات اندراس أثر مثل القرآن بعد وجوده والمنكرون للقرآن أكثر من المؤمنين به وكانوا محتاجين إلى رده بالمعارض ولا يمكنهم إلا بالرواية كما احتاج المؤمنون إلى رواية القرآن لإثباته.
فإن قيل: إن المزارعة اشتهرت في الناس بعد أبي حنيفة ﵁ من غير ظهور رد ثم لم يصر إجماعًا!.
قلنا: إن الرد شائع من شيعة أبي حنيفة ﵁ فتوى وناظرة إلا أن الناس عملوا بقول غيره.
وعند من لا يجوز المزارعة جائز اتباع الناس في هذا الباب من خالف أبا حنيفة ﵁ لضرب رجحان يبدو لهم، فلا يكون سكوتمه عن تضليلهم عن الرد والتشنيع عليهم، تقريرًا إياهم على أنه هو الحق دون ما قاله أبو حنيفة ﵁.
وهذا كما إذا بلغ المفتي قضاء القاضي بخلاف رأيه فسكت، لم يدل سكوته على الرجوع إلى قول القاضي لأنه مع خلافه رأيًا يعتقد نفاذ قضائه بخلاف رأيه، والله أعلم.
1 / 30