فصل في تحقيق أمر المساحة
قد تقدم أن الأرض كروية، وأنها في الوسط. فسطح الأرض وهو محدبها مواز لمقعر السماء ، فالدوائر العظام التي على سطح الأرض موازية للعظام الفلكية، وينقسم كانقسامها على ثلاث مائة وستين جزءا وسامت كل جزء من الدائرة الأرضية نظيره من الفلكية، فإذا سار سائر على خط نصف النهار، وهو الخط الواصل بين القطبين الشمالي والجنوبي في أرض مستوية خالية عن الوهدات، عرية عن الربوات على استقامة من غير انحراف أصلا حتى يرتفع له القطب أو ينقص له جزءا، فالقدر الذي ساره من تلك الدائرة يكون حصة درجة واحدة منها، وتكون تلك الدائرة الأرضية ثلاث ماية وستين مرة مثل ذلك القدر، وقد قام بتحقيق ذلك طائفة من القدماء كبطليموس صاحب" المجسطي" وغيره. فوجدوا حصة الدرجة الواحدة من العظيمة المتوهمة على الأرض ستة وستين ميلا وثلثي ميل، ثم قام بتحقيق طائفة من الحكماء المحدثين في عهد المأمون، وحضروا بأمره في برية سنجار، وافترقوا فرقتين بعد أن أخذوا ارتفاع القطب محررا في المكان الذي افترقوا منه، وأخذت إحدى الفرقتين في المسير نحو القطب الشمالي، والأخرى نحو القطب الجنوب، بي وساروا على أشد ما أمكنهم من الاستقامة حتى ارتفع القطب للسائرين في الشمال وانحط للسائرين في الجنوب درجة واحدة، ثم اجتمعوا عند المفترق وتقابلوا على ما وجدوه، فكان مع إحديهما ستة وخمسون ميلا وثلثا ميل، ومع الأخرى ستة وخمسون ميلا بغير كسر فأخذ بالأكثر وهو ستة وخمسون ميلا وثلثا ميل، وقد تقدم أن القدماء وجدوا حصة الدرجة ستة وستين ميلا وثلثي ميل، فبينهما من التفاوت عشرة أميال، فينبغي أن يعلم أن ذلك إنما هو للخلل في العمل؛ لأن مثل هذه الأعمال لا يخلو من تفاوت إذ لا يمكن الاحتراز عن المساهمة والمسامحة تارة في استقامة المشي على خط نصف النهار، وتارة من جهة الذرع، وغير ذلك فقد علمت الخلاف في مساحة دور
صفحة ١٧