التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها
الناشر
دار النفائس للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
مكان النشر
الأردن
تصانيف
المبحث الثاني عشر ليس من التقوى الغلو في العبادة
بعض الذي ينسبون إلى الإسلام يغالون في التعبد ظانين أن ذلك من التقوى، وقد غالى بعض الصحابة في ذلك، فردَّهم الرسول ﷺ إلى جادّة الصواب، فقد ورد أن نفرًا من أصحاب الرسول ﷺ جاؤوا إلى بيوت الرسول ﷺ فسألوا عن عبادة الرسول ﷺ، فلما أخبروا فكأنهم تقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي، وتحدثوا عن أنفسهم، فأخبر أحدهم أنه يقوم الليل ويصلي ولا ينام، وأخبر الآخر أنه يصوم الدهر، ولا يفطر، وأخبر الثالث أنه يعتزل النساء، فخطَّأهم الرسول ﷺ، وبيَّن لهم وجه الصواب.
وروى أنس بن مالك ﵁ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ، يسألون عن عبادة النبي ﷺ، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي ﷺ؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله ﷺ فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [البخاري: ٥٠٦٣].
وقد كان رسولنا ﷺ لا يقوم الليل كله، ولا يصوم الشهر كله، كان يقوم أدنى من ثلثي الليل، ويقوم نصفه وثلثه، ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ [المزمل: ٢٠] وكان يصوم من الشهر ويفطر، وكان يتزوج النساء، وأخبر أن الذي هو عليه هو سنّته.
1 / 83