التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها
الناشر
دار النفائس للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
مكان النشر
الأردن
تصانيف
وقد علاك العرق، وأطبق عليك الغم، وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب، والناس معك منتظرون لفصل القضاء إلى درا السعادة أو إلى دار الشقاء، حتى إذا بلغ المجهود منك ومن الخلائق منتهاه، وطال وقوفهم لا يكلمون ولا ينظرون في أمورهم".
عن قتادة أو كعب، قال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦]. قال:"يقومون مقدار ثلاثمائة عام، وقال: سمعت الحسن يقول: ما ظنك بأقوام قاموا لله ﷿ على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم من العطش، واحترقت أجوافهم من الجوع انصرف بهم إلى النار، فسقوا من عين آنية قد آن حرها، واشتد نفحها".
فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به، كلَّم بعضهم بعضًا في طلب من يكرم على مولاه أن، يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار من وقوفهم، ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم، وموسى وعيسى من بعد إبراهيم، كلهم يقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، فكلهم يذكر شدة غضب ربه ﷿، وينادي بالشغل بنفسه فيقول: نفسي نفسي، فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لاهتمامه بنفسه وخلاصها، وكذلك يقول الله ﷿: ﴿يَوْمَ تَاتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَّفْسِهَا﴾ [النحل: ١١١].
فتوهم أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم، منفرد كل واحد منهم بنفسه، ينادي نفسي نفسي، فلا تسمع إلا قول نفسي نفسي. فيا هول ذلك وأنت تنادي معهم بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك وعقابه، فما
1 / 50