التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها
الناشر
دار النفائس للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
مكان النشر
الأردن
تصانيف
هذه البلاد؟ قلت: كان قصدي إليك، ومعوَّلي بعد الله عليك، وقد كتبت ما وقع إليَّ من حديثك بقلمي، وسعيت إليك بقدمي، لأدرك بركة أنفاسك، وأحظى بعلوِّ إسنادك.
فقال: وفقك الله وإيانا لمرضاته، وجعل سعينا له، وقصدنا إليه، لو كنت عرفتني حقَّ معرفتي، لما سلَّمت عليّ، ولا جلست بين يديَّ، ثم بكى بكاءً طويلًا، وأبكى من حضره، ثم قال: اللهم استرنا بسترك الجميل، واجعل تحت الستر ما ترضى به عنا.
يا ولدي، تعلم أني رحلت أيضًا لسماع "الصحيح" ما شيًا مع والدي من هراة إلى الداووديِّ ببوشنج، ولي دون عشر سنين، فكان والدي يضع على يديَّ حجرين، ويقول: احملهما، فكنت من خوفه أحفظهما بيديَّ، وأمشي وهو يتأمَّلني، فإذا رآني قد عييت أمرني أن ألقي حجرًا واحدًا، فألقي ويخفُّ عني، فأمشي إلى أن يتبين له تعبي، فيقول لي: هل عييت؟ فأخافه، وأقول: لا. فيقول: لم تقصِّر في المشي؟ فأسرع بين يديه ساعةً، ثم أعجز، فيأخذ الآخر، فيلقيه، فأمشي حتى أعطب، فحينئذ كان يأخذني ويحملني.
وكنا نلتقي جماعة الفلاحين وغيرهم، فيقولون: يا شيخ عيسى، ادفع إلينا هذا الطفل نركبه وإياك إلى بوشنج، فيقول: معاذ الله أن نركب في طلب أحاديث رسول الله ﷺ، بل نمشي، وإذا عجز أركبته على رأسي إجلالًا لحديث رسول الله ورجاء ثوابه.
فكان ثمرة ذلك من حسن نيته أني انتفعت بسماع هذا الكتاب وغيره، ولم يبق من أقراني أحد سواي، حتى صارت الوفود ترحل إليّ من الأمصار، ثم أشار إلى صاحبنا عبد الباقي بن عبد الجبار الهرويِّ أن يقدِّم لي حلواء، فقلت يا
1 / 119