التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها
الناشر
دار النفائس للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
مكان النشر
الأردن
تصانيف
إلى تبوك، وجاؤوا فسألوا رسول الله ﷺ أن يأتي إليهم فيصلِّي في مسجدهم، ليحتجوا بصلاته ﵇ فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية. فعصمه الله من الصلاة فيه، فقال: «إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله». فلما قفل ﷺ راجعًا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضّرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء، الذي أسس من أول يوم على التقوى.
فبعث رسول الله ﷺ إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة؛ كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾: وهم أناس من الأنصار، ابتنوا مسجدًا، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدًا واستعدُّوا بما استطعتم من وقوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، وأخرج محمدًا وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم، أتوا النبي ﷺ فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحبّ أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة، فأنزل الله تعالى: ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ إلى ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وكذا روي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وقتادة، وغير واحد من العلماء.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله ابن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة، وغيرهم، قالوا: أقبل رسول الله ﷺ يعني من تبوك - حتى نزل بذي أوان - بلدٍ بينه وبين المدينة ساعةٌ من نهار، وكان أصحاب مسجد الضِّرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة
1 / 77