رابعًا: لقد تولى الوزارة لبني بويه طائفة من كبار الأدباء والعلماء والمفكرين، الذين شجعوا العلم واعتنوا به عناية فائقة. واقتنوا عيون كتب الأدب والفكر بشتى فنونه، وأنفقوا الأموال الطائلة على ذلك.
ومن أبرز هؤلاء ابن العميد، الذي قيل فيه "بُدئت الكتابة بعبد الحميد وانتهت بابن العميد". ومنهم الصاحب بن عباد، الذي كان وزيرًا لمؤيد الدولة، ثم لفخر الدولة. وكانت مجالسهما العلمية والأدبية أعظم من أن توصف. وكانت تضم من فحول الشعراء وأساطين الأدب وفحول المتكلمين والفقهاء مالا يحصى كثرة، بالرغم من أنهما فارسيان. ولكنهما كانا في غاية العناية باللسان العربي. بل فاقا كثيرًا من العرب.
وكان من الوزراء الذين اعتنوا بالأدب والعلم، وبذلوا فيه الغالي والنفيس الوزير المهلبي، الذي كان وزيرًا لمعز الدولة، ومنهم - أيضًا - الوزير ابن سعدان، وزير صمصام الدولة، وسابور بن أردشير، وزير بهاء الدولة.
ولم تقتصر العناية بالأدب والعلم والفكر على الوزراء بل كان هذا شأن بني بويه، وعلى الأخص عضد الدولة، الذي كان يؤثر مجالسة الأدباء على منادمة الأمراء على ما ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر. كما أنه كان يقول الشعر، ويحكم على معانيه. وقد خصص في داره للحكماء والفلاسفة موضعًا على قرب منه ليشاركهم مباحثاتهم.
لقد كان للعراق وفارس في عهد بني بويه الصدارة في العلم والأدب والفلسفة. كما حوت من جهابذة العلماء في شتى الفنون والعلوم ما لم يجتمع لبلد آخر في القرن الرابع.
1 / 19