التقريب لحد المنطق
محقق
إحسان عباس
الناشر
دار مكتبة الحياة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٩٠٠
مكان النشر
بيروت
بخلاف قولنا ان لا يتأهب للجوع إذا اصابه باكل الطعام لأنه ان كان انتهى اجله فواجب ان يموت، وان كان لم ينته اجله فممتنع ان يموت، وينبغي ان يقتحم النيران إذا كان في المغيب انه لا يحترق فممتنع ان يحترق فيلزم مخالفنا أن تأهبه وفكرته وسعيه فيما يدفع به نفسه البرد والعطش والأذى كتأهبه لدفع حركة الفلك أو لمنع الشمس من الطلوع. ونحن إنما نناظر الناس حتى نردهم إلى موجب العقل أو الحس أو نلزمهم ان يخرجوا عن رتب العقل والى مكابرة الحس، فإذا خرجوا إلى ما ذكرنا فقد كفونا التعب معهم، ولزمنا الاعراض عنهم وتركهم يتمنون الاضاليل ويفرحون بالأباطيل كالسكارى والصبيان المغرورين باحوالهم، المسرورين بافعالهم، ونشتغل بما يلزمنا من تبين الحقائق لطلابها، فإنما نتكلم مع النفوس العاقلة المميزة، لا مع الألسنة فقط، ولا مع النفوس السخيفة.
٥ - الكلام في الايجاب والسلب؟ وهو النفي - ومراتبه ووجوهه
النفي المفيد معنى والذي تنفي به ما أوجب خصمك إنما حكمه أن يكون للمحمول لا [٣٩ ظ] للموضوع لأنك تثبت الاسم ثم توجب له صفة أو تنفيها عنه. ولو نفيت الموضوع وهو الاسم المخبر عنه لكنت لم تحصل على معنى تخبر عنه كقولك: لا زيد منطلق لأن ظاهر هذا اللفظ نفي زيد ونفي الانطلاق معه. والأوائل يسمون مثل هذا " قضية غير محصلة "، وإنما الصواب أن تقول: زيد غير منطلق، أو ليس منطلقا، فتكون قد أثبت زيدا ونفيت عنه الانطلاق. والأوائل يسمون هذه " قضية ميلوبة " و" متغيرة في المحمول " لأنك غيرتها عن الايجاب، فتحفظ في هذا المكان، فأقل ما في ذلك ان تجيب عن أحد وجهي الكلام اللذين هما إما نفي المخبر عنه جملة وإما نفي الصفة منه فتكون مجيبا قبل تحقيق السؤال وتصحيحه، فيلزمك نقص الفهم والجور في الحكم.
واذا اردت نفي ما اوجب خصمك نفيا تاما صحيحا فلا بد لك من انك إنما تريد نقص بعضه أو نقض كله، فان اردت نقض بعضه فبين ذلك، وان
1 / 89