وبضوابط شرعية، وفي حال الخوف على ضرورة من تلك الضرورات وعلى حفظها فحسب.
لذا فإن التَّقيّة عند أهل السُّنَّة أمر اضطراري عارض بسبب دفع بلاء شديد مِمَّا لا تطيقه النفس البشرية ويَشُقُّ عليها احْتِمَالُهُ، كما أنه لا يترخص بِالتَّقِيَّةِ مَنْ كَانَ لَهُ مخرج لا يرتكب فيه محرمًا، كل ذلك مصحوبًا بسلامة الباطن وعمارته بالإيمان.
فـ" مَذْهَبُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْل السُّنَّةِ أَنَّ الأْصْل فِي التَّقِيَّةِ هُوَ الْحَظْرُ، وَجَوَازُهَا ضَرُورَةٌ، فَتُبَاحُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ.
ولذا يقول سعيد بن جبيرٍ (ت: ٩٥ هـ) ﵀:
ليس في الإسلام تَقِيَّة، إنما التَّقِيَّة لأهل الحرب. (^١)
قَال الْقُرْطُبِيُّ (ت: ٦٧١ هـ) ﵀:
وَالتَّقِيَّة لَا تَحِل إِلاَّ مَعَ خَوْفِ الْقَتْل أَوِ الْقَطْعِ أَوِ الإْيذَاءِ الْعَظِيمِ، وَلَمْ يُنْقَل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فِيمَا نَعْلَمُ إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمُجَاهِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ. (^٢)
وفي نحو ذلك يقول ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) ﵀: -
التَّقيّة أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم التَّقيّة. (^٣).
والأصل في ذلك عند أهل السنة قوله سبحانه: (مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: ١٠٦).
قال ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ) ﵀:
قوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَان) (النحل: ١٠٦) فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهًا، لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله. (^٤)
وقال أبو بكر الجصاص (ت: ٣٧٠ هـ) ﵀:
هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه. (^٥)
وقال أبو بكر ابن العربي (ت: ٥٤٣ هـ) ﵀:
لما سمح الله تعالى في الكفر به، وهو أصل الشريعة، عند الإكراه، ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به. (^٦)
فإذا لم يؤاخذ اللهُ المكرهَ في النطق بالكفر حال الإكراه، فبلا أدنى ريب أن ما دونه أولى بذلك، ولذا يُعد هذا أصل أصيل في العذر بالإكراه في أصول الشريعة وفروعها.
وأما عن مستند أهل السنة في " التَّقيّة " فقوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) (آل عمران: ٢٨).
قال ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ) ﵀: قوله: (إِلا أَنْ