عند هذا عاد كل منا إلى مكانه بالقرب من الموقد، وبعد أن أذكيت النار، قلت: يجب علي أن أوقظ تذكارات أليمة من رقادها العميق ... عندما حكم المجلس بالموت على لويس السادس عشر - لا أشك في أنك تعرف أكثر مني تفاصيل هذه الفاجعة الأليمة، يوم ألقي رأس هذا الملك أمام ملوك أوروبا.
عند ذلك كان الله قد أبقى للملك لويس عزاء عظيما في وسط آلامه الشديدة، إذ إن الجلادين سمحوا لأحد الكهنة بأن يحضر للملك نجدة الدين، فعندما مثل الكاهن أمام الملك، صرف المسكين الليل كله في الصلاة، فتقبل القربان المقدس كما يتقبله كل مسيحي على الأرض عندما يذهب إلى الاستشهاد.
كانت إحدى العجلات تنتظر الملك، فجلس هذا في تلك العجلة إلى جنب الكاهن، الذي كان في يده كتاب فرض يتمتم فيه ببعض آيات مقدسة، وما لبث أن أخذ الكتاب من يد الكاهن، وجعل يقرأ الصلوات الأخيرة بصوت مرتفع هادئ، في حين كان الشعب يزأر زئيرا رهيبا، منشدا أغاني الموت واللعنات! ...
يا للمشهد الرهيب! صعد الملك درجات المقصلة متكئا على ذراع الكاهن، وقبل أن ينفذ فيه حكم الموت، رفع الكاهن ذراعيه إلى السماء، وقال للملك: اصعد إلى السماء يا ابن القديس لويس!
عند هذا برقت أشعة ذهبية، وتدحرج الرأس الملكي على درجات المقصلة! أما الكاهن فلم يكد يبصر هذا المشهد، حتى شحب لون وجهه، وسجد على ركبتيه تاركا كتاب الفرض يسقط من يده فوق دم الشهيد.
انظر إلى هذه النقط السوداء على غلاف الكتاب.
فتفحص السيد يوسف الكتاب متفطرا، وقال: أجل، إنه لذخيرة مقدسة ثمينة، ولكن كيف اتصل إليك هذا الكتاب؟ - اسمع ... كانت عائلتي تسكن مقاطعات الأشراف قريبا من أفينيون، ذات صباح دقت الأجراس طويلا طويلا ... فأخذت الجماهير تروح وتجيء والأجراس تقرع في المدينة، فمنهم من قال إنها ساعة النصر بعد الاندحار العظيم الذي حدث لنابوليون في روسيا، ومنهم من قال إنها تبشر بقدوم عظيم من العظماء، ثم أسرع الشعب للاطلاع على الحقيقة، وكان الخوف في تلك الساعة سائدا على المدينة، وبعد هنيهة أعلن قدوم البريد، فأسرع الشعب لملاقاة الساعي، وعندما بلغوا إليه وقف فجأة وصمت صمتا غريبا، ثم قال: أبشركم بقدوم قداسة البابا بيوس السابع إلى رومة واجتيازه مقاطعتنا!
فهتف الشعب هتافا عظيما قائلين: فليحي بيوس السابع! فليحي البابا! ...
كان العاهل نابوليون قد أطلق سراح بيوس السابع، فعاد إلى رومة عن طريق مقاطعة الأشراف.
في ذلك الوقت زين الشعب منازلهم، وطافت الأولاد في الشوارع رافعة أعلاما خضراء من أغصان الأشجار والأوراد النادرة.
صفحة غير معروفة