ويقال كيف قال تعالى (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله) ثم قال (وأنتم تشهدون) كيف يكونون كفارا بما يشهدون. وجوابنا أن المراد انهم يكفرون بالآيات وهم يعرفونها ويشاهدونها فينصرفون عن النظر فيها ويتبعون الشبهة والتقليد ولذلك قال بعده (لم تلبسون الحق بالباطل) ولا يمتنع انه كان فيهم من يعرف الحق في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ويعاند فقد كان فيهم من علم البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب وكانوا يلبسون ذلك على العامة ثم ذكر بعده (إن الفضل بيد الله) يعني الالطاف وانه يخص بذلك من يشاء فمن المعلوم أنه عند ذلك يختار الايمان. ثم بين تعالى بقوله (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله) ان ليهم ألسنتهم بذلك من فعلهم لا من خلق الله فيهم ولو كان من حق من ينسب ذلك اليه هو الله تعالى لوجب أن يقال هو من عند الله ولما صح أن يقول تعالى (ويقولون على الله الكذب) ونزه تعالى عيسى عن قول النصارى لقوله (وما كان لبشر) (أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) فان أكثر النصارى يقولون بعبادة عيسى صلى الله عليه وسلم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) كيف يصح ذلك وقوله (أفغير دين الله يبغون) يدل على نفي الاسلام عنهم وقوله (وله أسلم) يدل على اثبات الاسلام وهذا يتناقض. وجوابنا ان المراد بقوله (وله أسلم) الاستسلام والانقياد وليس المراد اختيار الدين والاسلام فبين تعالى انه قادر على أن يجعلهم كذلك لكنه لا ينفعهم الا اذا اتبعوه اختيارا فلذلك قال طوعا وكرها وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول (قل آمنا بالله) الى قوله (لا نفرق بين أحد منهم) فبين انه قد آمن ومع ذلك هو مسلم أي منقاد لله تعالى على وجه الاختيار وان هذا هو الذى ينفع، وبين بقوله (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) ان الدين كله هو الاسلام والاسلام هو الدين وان ما عدا ذلك ليس من الدين والاسلام وبين أن من ليس بمسلم من الخاسرين في الآخرة.
[مسألة]
وربما قيل كيف يقول تعالى (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) وعندكم أن الله قد هدى الكافرين. وجوابنا انه قد هداهم بالأدلة والمراد بهذا الهدى هو الثواب وطريق الثواب ولذلك قال بعده (والله لا يهدي القوم الظالمين) فخصهم بنفي الهدى عنهم ثم بين ما نفاه عنهم بقوله (أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب) فبين انه لم يهدهم الى الجنة بل عاقبهم بهذه العقوبة.
صفحة ٧٠