وربما قيل في قوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) كيف ترفع محاجة النصارى في عيسى اذ قالوا انه الله وانه ابن الله ومحاجة اليهود إذ كذبوا بولادته من غير ذكر بالمباهلة التي ذكرها الله. وجوابنا ان الحجة في ابطال قولهم اذا ظهرت ولم يقع القبول وعلم الله تعالى ان في المباهلة مصلحة لم يمنع ذلك ومعلوم ان عند المباهلة والملاعنة يخاف المبطل فربما يكون ذلك من اسباب تركه الباطل إما ظاهرا واما باطنا ولذلك قال تعالى بعده (إن هذا لهو القصص الحق) لان ما ينذر ويخوف يوصف بذلك ثم قال (وما من إله إلا الله) دفعا لقول النصارى في باب التثليث ثم قال (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) ثم قال تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا) دفعا لقول النصارى ثم قال (فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ثم بين بطلان قولهم ان ابراهيم كان على ملتهم بقوله (لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) وبين بقوله (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) ان المقلد والمبطل في المحاجة مخطئ لانه يحاج فيما لا علم له به وبعث بذلك على النظر في الأدلة لأن هذا الناظر العالم هو الذي اذا حاج غيره يكون محاجا فيما له به علم.
وبين ان أولى الناس بابراهيم من اتبعه ونبينا صلى الله عليه وسلم لأنه على ملته في الحج وغيره وأنما وصف ابراهيم بأنه كان حنيفا مسلما لأنه كان على هذه الملة وان كان في شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم زيادات وتفصيلات وفي قوله بعد ذلك (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم) دلالة على ان الله تعالى لا يضل عباده ولا يخلق الضلال والكفر فيهم لانه لو كان كذلك لما نسب الاضلال الى أهل الكتاب ولما نسب اضلالهم الى أنفسهم.
[مسألة]
صفحة ٦٩