وربما قيل إنه تعالى ذكر في أول السورة أنه (خلق الإنسان علمه البيان) فكيف قال من بعد (فبأي آلاء ربكما تكذبان). وجوابنا انه بعد ذلك ذكر مع الانس الجن فقال (خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار) ثم عطف على ذلك بقوله تعالى (فبأي آلاء ربكما تكذبان) لأنه كلف تعالى في الأرض الانس والجن وإنما كرر تعالى في هذه الآيات الكثيرة (فبأي آلاء ربكما تكذبان) لأنه ذكر نعمة بعد نعمة فاتبعه ذلك وهذا مما يحسن مما يذكر نعمه وأياديه فان قال ففي جملة الآيات ما ليس فيه نعمة كقوله (يطوفون بينها وبين حميم آن) الى غير ذلك. وجوابنا ان ذلك من النعم اذا تدبره المرء وخاف منه فصار زاجرا له عن المعاصي.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) كيف يصح ذلك وإنما يخرج من أحد البحرين؟ وجوابنا أنه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما والمراد من هذا المجموع وقد قيل إنه لا يخرج من البحر الذي ليس بعذب إلا إذا مازجه الماء العذب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان) كيف يصح ذلك مع أنه تعالى قد ذكر أنه يسألهم أجمعين في غير آية؟ وجوابنا ان المراد انهم لا يسألون على وجه التعرف لان ذلك مكتوب معلوم وان كانوا قد يسألون على غير ذلك وقد تقدم كلامنا في مثل هذه الآية.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (سنفرغ لكم أيه الثقلان) كيف يصح ذلك ولا يجوز على الله تعالى الشغل والفراغ؟ وجوابنا ان ذلك مما يستعمل في الوعيد لأنه اقوى في الزجر والتهديد فالقائل يقول لمن يخوفه سأفرغ لك إن خالفت فلاجل هذه المبالغة ذكره تعالى وإلا فالفراغ لا يصح الا على من يشغله فعل عن فعل من حيث يفعل ولا يصح أن يضيف إلى السكون حركة ولا إلى القيام قعودا.
[مسألة]
صفحة ٤١٠