وربما قيل كيف قال تعالى (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) أليس ذلك يتناقض. وجوابنا ان ذلك كناية عن شدة عذابهم وان لم يكونوا أمواتا وهو كقوله (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) ولذلك قال بعده (ومن ورائه عذاب غليظ) وبين تعالى ان عمل الخير من الكفار لا ينفع فقال (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) فبين أن كفرهم يحبط كل خير عملوه وبين ان ذلك هو الضلال البعيد ثم بين تعالى بعده بقوله حكاية عمن استكبر عند قول الاتباع (إنا كنا لكم تبعا) انهم (قالوا لو هدانا الله لهديناكم) وذلك في الآخرة فمرادهم اذا لو هدانا الله تعالى الى الجنة وعدل بنا عن النار لفعلنا ذلك بكم وهذا يدل على ان الهدى قد يكون على هذا المعنى كما قد يكون بمعنى الدلالة والبيان وقوله (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) يدل على ان العذاب دائم لا كما يقوله بعض الجهال من انه ينقطع وقوله تعالى من بعد حكاية عن الشيطان (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) يدل على ان الشيطان لا يقدر الا على الوسوسة وعلى ان وسوسته لا تزيل الذم والعقاب عمن قبل منه وان اللوم في كل تنزيه القرآن (14) فاعل على نفسه يرجع وقوله من بعد (إن الظالمين لهم عذاب أليم) يدل على ان الظلم من الذنوب العظام التي يستحق بها العذاب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا) ان ذلك يدل على ان ايمانهم من فعل الله فيثبتهم عليه. وجوابنا ان المراد يثبتهم على الخيرات دينا ودنيا لاجل ايمانهم فلذلك قال (بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ولذلك قال بعده (ويضل الله الظالمين) أي يضلهم عما يفعله بالمؤمنين دينا ودنيا ولذلك قال بعده (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا) تعجبا منهم من حيث لم يعرفوا موقع نعم الله تعالى وعدلوا عن شكره وطاعته ورغبنا عاجلا في الطاعة فقال (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) فبين أن الذي ينفعهم في الآخرة أن يطيعوا بأنفسهم وبأموالهم قبل اليوم الذي فيه لا ينتفع أحد بمكسب وتصرف. ثم بين تعالى أنواع نعمه بقوله جل وعز (الله الذي خلق السماوات والأرض) الى قوله (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) ترغيبا للعبد في شكر هذه النعم حالا بعد حال ثم قال تعالى من بعد (إن الإنسان لظلوم كفار).
[مسألة]
صفحة ٢١٠