فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) (1)، قلنا قد اختلف أهل العلم في معنى قوله تعالى (فصرهن إليك)، فقال قوم: معنى قوله فصرهن: أدنهن وأملهن.
قال الشاعر في وصف الإبل:
تظل معقلات السوق خرصا * تصور أنوفها ريح الجنوب أراد أن ريح الجنوب تميل أنوفها وتعطفها.
وقال الطرماح (2):
عفايف أذيال أوان يصرها * هوى والهوى للعاشقين صؤر ويقول القائل لغيره: صر وجهك إلي، أي أقبل به علي.
ومن حمل الآية على هذا الوجه لا بد أن يقدر محذوفا في الكلام يدل عليه سياق اللفظ، ويكون تقدير الكلام: خذ أربعة من الطير فأملهن إليك ثم قطعهن ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
وقال قوم إن معنى صرهن أي قطعهن وفرقهن، واستشهدوا بقول توبة بن الحمير (3):
فلما جذبت الحبل لطت نسوعه * بأطراف عيدان شديد أسورها فأدنت لي الأسباب حتى بلغتها * بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها وقال الآخر:
يقولون أن الشام يقتل أهله * فمن لي أن لم آته بخلود تغرب آبائي فهلا صراهم * من الموت أن لم يذهبوا وجدودي
صفحة ٥٢