الخلق عامة. وكذلك قوله: (وجعل منها زوجها) ثم خص منها بعضهم، كما قال الله تعالى: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) (1) فخطاب الجماعة بالتسيير، ثم خص راكب البحر. وكذلك هذه الآية أخبرت عن جملة أمر البشر بأنهم مخلوقون من نفس واحدة وزوجها، وهما آدم وحواء. ثم عاد الذكر إلى الذي سأل الله تعالى ما سأل فلما أعطاه إياه، أدعى له الشركاء في عطيته. قال وجايز أن يكون عنى بقوله: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) المشركين خصوصا، إذا كان كل بني آدم مخلوقا من نفس واحدة وزوجها، ويكون المعنى في قوله تعالى: (خلقكم من نفس واحدة). وهذا قد يجئ كثيرا في القرآن وفي كلام العرب.
قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) (2) والمعنى فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة.
وهذا الوجه يقارب الوجه الأول في المعنى وإن خالفه في الترتيب.
(ومنها) أن تكون الهاء في قوله: (جعلا له شركاء) راجعة إلى الولد لا إلى الله تعالى، ويكون المعنى أنهما طلبا من الله تعالى أمثالا للولد الصالح، فشركا بين الطلبتين. ويجري هذا القول مجرى قول القائل:
طلبت مني درهما فلما أعطيتك شركته بآخر، أي طلبت آخر مضافا إليه.
فعلى هذا الوجه لا يمتنع أن تكون الكناية من أول الكلام إلى آخره راجعة إلى آدم وحواء عليهما السلام.
فإن قيل: فأي معنى على هذا الوجه لقوله: (فتعالى الله عما يشركون) وكيف يتعالى الله عن أن يطلب منه ولد بعد آخر.
صفحة ٣٢